مبادئ الشيوعية
فريدريك انجلز
١. ما هي الشيوعية؟
الشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا.
٢. ما هي البروليتاريا؟
البروليتاريا هي الطبقة التي – من بين كل طبقات المجتمع – تعيش كليا من بيع عملها فقط، لا من أرباح أي نوع من أنواع رأس المال. ولا تتوقف معيشتها بل وجودها ذاته، على مدى حاجة المجتمع إلى عملها، أي أنها رهينة فترات الأزمة والازدهار الصناعي وتقلبات المنافسة الجامحة. بإيجاز إن البروليتاريا هي الطبقة الكادحة لعصرنا الراهن.
٣. هل وجدت البروليتاريا منذ القدم؟
كلا. لقد وجدت دائما طبقات فقيرة كادحة بل إن الطبقات الكادحة كانت في أغلب الأحيان فقيرة. أما الفقراء والعمال الذين يعيشون في ظروف كالتي أشرنا إليها سابقا – أي البروليتاري – فهم لم يكونوا موجودين في كل الأزمنة. كما لم تكن المنافسة حرة وبلا أي حدود.
٤. كيف ظهرت البروليتاريا؟
لقد نشأت البروليتاريا في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن الماضي (الثامن عشر) على إثر الثورة الصناعية التي قامت منذ ذلك الحين في جميع البلدان المتحضرة في العالم.
كان الحافز لهذه الثورة الصناعية هو اختراع الآلة البخارية ومختلف أنواع آلات الغزل والأنوال الآلية وعددا كبيرا من الأجهزة الميكانيكية الأخرى، التي بحكم ثمنها الباهض لم يكن قادرا على شرائها سوى كبار الرأسماليين، مما أدى إلى تغيير شامل لنمط الإنتاج السابق وإلى إزاحة الحرفيين القدامى نظرا لأن هذه الآلات أصبحت تنتج سلعا أفضل وأرخص من تلك التي أنتجها أولائك الحرفيين بأنوالهم اليدوية وأدواتهم البدائية.
وهذا ما يفسر كيف أدى دخول الآلة على النشاط الصناعي برمته إلى تحويله بين أيدي كبار الرأسماليين وإلى إفقاد الملكية الحرفية الصغيرة (أنوال، أدوات عمل...) كل ما لها قيمة، مما مكّن الرأسماليين من السيطرة على كل شيء في حين فقد العمال كل شيء.
ولقد أدخل نظام المانيفاكتورة – أول الأمر – في صناعة النسيج والملابس ثم ما أن كانت الانطلاقة الأولى لهذا النظام حتى انتشر سريعا ليشمل سائر الفروع الصناعية كالطباعة وصناعة الخزف والمعادن وأصبح العمل مقسما أكثر فأكثر بين مختلف فئات العمال، بحيث أن العامل الذي كان في السابق ينجز عمله كاملا صار لا يؤدي إلا جزءا فقط من هذا العمل. وقد سمح تقسيم العمل هذا بإنتاج سلع على نحو أسرع وبالتالي بكلفة أقل و صار دور العامل مقتصرا على أداء حركة آلية جدُّ بسيطة ومكررة باستمرار تستطيع الآلة أداءها ليس فقط بنفس الجودة بل بأفضل منها.
وسرعان ما سيطرت المكننة والصناعة الكبيرة على جميع فروع الإنتاج الواحد تلو الآخر تماما مثلما حصل بالنسبة للغزل والنسيج وهكذا وقعت كل الفروع الصناعية بين أيدي كبار الرأسماليين وفقد العمّال بذلك هامش الحرية الذي كانوا يتمتعون به سابقا. وزيادة عن المانيفاكتورة ذاتها وقعت الأنشطة الحرفية شيئا فشيئا تحت سيطرة الصناعة الكبيرة، إذ تمكن كبار الرأسماليين من إزاحة المنتجين الصغار المستقلين وذلك بإنشاء الورشات الكبرى حيث المصاريف العامة أقل وإمكانية تقسيم العمل أوفر. وهذا ما يفسر الإفلاس المتزايد من يوم لآخر للطبقة الحرفية الوسطى والتغيير الشامل في وضعية العمال ونشوء طبقتين جديدتين سرعان ما انصهرت فيها بقية الطبقات شيئا فشيئا ألا وهي:
– طبقة كبار الرأسماليين الذين يحتكرون في كل البلدان المتحضرة ملكية وسائل العيش والمواد الأولية وأدوات العمل (الآلات والمصانع) اللازمة لإنتاج وسائل العيش. إنها طبقة البرجوازيين أو البرجوازية.
– طبقة الذين لا يملكون شيئا والمضطرين إلى بيع عملهم للبرجوازيين مقابل الحصول على الضروريات لإبقائهم على قيد الحياة. إنها طبقة البروليتاريا أو البروليتارييون.
٥. ما هي الظروف التي يبيع فيها البروليتارييون عملهم للبرجوازية؟
إن العمل سلعة كغيرها من السلع وبالتالي يتحدد سعرها على أساس نفس القوانين المعمول بها بالنسبة لأية سلعة أخرى. وفي ظل سيادة الصناعة الكبرى أو المنافسة الحرة (مما يعني نفس الشيء كما سنبين فيما بعد) يساوي سعر أي بضاعة ما – دائما – ما يعادل كلفة إنتاجها. وبالتالي يكون سعر العمل هو أيضا مساو لكلفة إنتاج العمل. لكن كلفة إنتاج العمل تتمثل في كمية وسائل العيش الضرورية لجعل العامل قادرا على استئناف ومواصلة عمله ولإبقاء الطبقة العاملة بصفة عامة على قيد الحياة. فالعامل إذن لا يتقاضى مقابل عمله سوى الحد الأدنى الضروري لتأمين تلك الغاية. وهكذا يكون سعر العمل – أو الأجر – هو الحد الأدنى الضروري لإبقاء العامل على قيد الحياة. وبما أن الأحوال الاقتصادية قد تسوء تارة وتزدهر تارة أخرى فإن العامل يتقاضى مقابل عمله أقل أو أكثر حسب تلك الأحوال، تماما مثلما يتقاضى الرأسمالي مقابل بيع سلعة ثمنها قد يرتفع أو ينخفض حسب الأحوال الاقتصادية.
وهكذا، كما يتقاضى الرأسمالي – إذا عادلنا بين ازدهار الأحوال و كساده – ما يساوي كلفة الإنتاج لا أكثر ولا أقل، فإن العامل لن يتقاضى كذلك أكثر أو أقل من الحد الأدنى لإبقائه على قيد الحياة. ومع تغلغل التصنيع الكبير في جميع فروع الإنتاج، يتعاظم التطبيق الصارم لهذا القانون الاقتصادي للأجور.
٦. ما هي الطبقات الكادحة التي وجدت قبل الثورة الصناعية؟
عرفت الطبقات الكادحة مختلف الظروف واحتلت مواقع متباينة في مواجهة الطبقات المالكة والمسيطرة وذلك لاختلاف مراحل تطور المجتمع. وقديما كان الكادحون عبيدا للمالكين مثلما يزال الحال في عدد كبير من البلدان المتخلفة وحتى في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي القرون الوسطى كان الكادحون هم الأقنان الذين تملكهم الأرستقراطية العقارية كما هو حتى الآن في المجر وبولونيا وروسيا. وعرفت المدن طوال القرون الوسطى وحتى قيام الثورة الصناعية ما يسمى بـ "الصناع" الذين يعملون تحت إمرة حرفيين بورجوازيين صغار. ومع تطور المانيفاكتورة، برز شيئا فشيئا العمال الذين أصبحوا يشتغلون فيما بعد لدى كبار الرأسماليين.
٧. بما يتميز البروليتاري عن العبد؟
في حين يُباع العبد دفعة واحدة، يتعين على البروليتاري أن يبيع نفسه كل يوم، بل كل ساعة. والعبد بمفرده هو على ملك سيّد واحد تقتضي مصلحته ذاتها أن تكون معيشة عبده مضمونة مهما كانت يائسة وحقيرة. أما البروليتاري بمفرده فهو تحت تصرف الطبقة البرجوازية بأسرها إن صح التعبير. فمعيشته ليست مؤمَّنة لأن عمله لا يتم شراؤه إلا عندما تكون ثمة حاجة إلى ذلك. وهكذا لا يكون وجود الطبقة العاملة مضمونا و مؤمَّنا إلا بصفتها طبقة بمجملها. في حين لا يعرف النظام العبودي المنافسة، يوجد البروليتاري في صميمها. وهو بالتالي يعاني من كل تقلباتها. وبينما يُنظر إلى العبد كبقية الأشياء، لا كعضو في المجتمع المدني، يُعتبر العامل كائنا بشريا وعضوا في المجتمع. لذا قد يكون للعبد عيشة أفضل من العامل لكن هذا الأخير ينتمي إلى مرحلة أرقى من مراحل تطور المجتمع ويجد نفسه بالتالي في منزلة أرقى بكثير من منزلة العبد.
ويتم تحرير العبيد بمجرد القضاء على علاقة واحدة فقط: ألا وهي العلاقة العبودية من بين جميع علاقات الملكية الخاصة مما يسمح له بالتحول إلى أكثر من عامل. أما البروليتاري نفسه فإنه لن يحرر إلا بالقضاء على الملكية الخاصة بوجه عام.
٨. بماذا يتميز البروليتاري عن القن؟
يتمتع القن بأدوات إنتاج وقطعة أرض صغيرة مقابل تسليم "سيده" حصة من محصوله أو القيام ببعض الأعمال المعينة بينما يشتغل البروليتاري بأدوات إنتاج هي على ملك شخص آخر ولحساب نفس ذلك الشخص ومقابل حصة معينة من الإنتاج. فالقن يعطي والبروليتاري يأخذ. معيشة القن مؤمَّنة، في حين ليس للعامل أي ضمان في معيشته. القن يوجد خارج علاقات المنافسة، أما البروليتاري فإنه يقع في صميمها. ويمكن للقن أن يتحرر:
– إما باللجوء إلى المدن متحولا فيها إلى حرفي.
– إما بتقديم المال لسيده عوضا عن المحصول والعمل المطالب بهما متحولا بذلك إلى مزارع حر.
– أو بطرد سيده الإقطاعي متحولا هو نفسه إلى ملاك إقطاعي.
وبإيجاز يصبح القن منتميا إلى الطبقة المالكة ومنخرطا في دائرة المنافسة، في حين ليس للبروليتاري من أمل في التحرر إلا بالقضاء على المنافسة ذاتها والملكية الخاصة وجميع الفوارق الطبقية.
٩. بماذا يتميز البروليتاري عن الحرفي؟
في الورشات الحرفية القديمة، لم يكن الحرفي الشاب أكثر من عامل مأجور حتى بعد أن ينهي فترة تدريبه. لكنه يتحول بدوره إلى معلم بعد عدد معين من السنوات. هذا في حين أن البروليتاري يبقى عاملا مأجورا طوال حياته. الحرفي قبل أن يصبح معلما يكون زميلا للمعلم يعيش في بيته ويأكل على مائدته. أما العلاقة الوحيدة بين البروليتاري والرأسمالي فهي مجرد علاقة مالية. الصانع في الورشة الحرفية ينتمي للفئة الاجتماعية ذاتها التي ينتمي إليها معلمه ويشاركه عاداته وتقاليده، بينما البروليتاري يفصله عن الرأسمالي عالم كامل من التمايزات الطبقية. إنه يعيش في بيئة أخرى ويتبع نمط حياة يختلف جذريا عن نمط حياة الرأسمالي وتختلف مفاهيمه عن مفاهيم الرأسمالي. ثم إن الحرفي يستخدم في عمله أدوات تكون عادة على ملكه أو يسهل عليه امتلاكها إن شاء ذلك، أما البروليتاري فهو يشتغل بآلة أو جزء من آلة ليست ملكا له ويستحيل عليه امتلاكها. الحرفي ينتج بضاعة كاملة في معظم الأحيان وتلعب مهارته في استخدام أدواته دائما الدور الحاسم في إنتاج هذه البضاعة، أما البروليتاري فهو لا ينتج في أغلب الأحيان سوى جزء صغير من آلة أو جهاز، أو يساهم فقط في أداء عملية جزئية من مجمل العمل اللازم لإنتاج هذا الجزء، وتأتي مهارته الشخصية في المرتبة الثانية بعد عمل الآلة. وغالبا ما تكون الآلة – على كل حال – أجدى منه من حيث كمية المنتجات أو تركيبها.
الحرفي – تماما مثل معلمه – محميّ من المنافسة طوال أجيال عبر القيود الحرفية والأعراف السائدة، بينما العامل مضطر إلى التضامن مع زملائه أو الالتجاء للقانون حتى لا تسحقه المنافسة. ذلك أن الفائض في اليد العاملة يسحق العامل لا سيده الرأسمالي. الحرفي – مثله مثل معلمه – كائن محدود، ضيق الأفق، خاضع للعصبية الفئوية وعدو لكل ما هو جديد، بينما العامل في المقابل مضطر لأن يضع نصب عينيه في كل لحظة التعارض الكبير بين مصالح طبقته ومصالح الطبقة الرأسمالية. عند العامل، يحل الوعي محل العصبية الفئوية فيدرك أن تحسين أحوال طبقته لا يتم إلا بتقدم المجتمع بأسره. الحرفي – في نهاية الأمر – محافظ ورجعي حتى عندما يتمرد بينما العامل مجبر باطراد على أن يكون ثوريا. إن أول تقدم اجتماعي تمرّد عليه الحرفيون هو بروز نظام المانفكتورة، الذي يتمثل في إخضاع الحرفة – بما فيها المعلم والصانع – لرأس المال المرابي (المركنتلي) الذي انقسم فيما بعد إلى رأس مال تجاري ورأس مال صناعي.
١٠. بماذا يتميز العامل عن عامل المانيفاكتورة؟
كان عامل المانفكتورة منذ القرن الثامن عشر لا يزال يملك أدوات عمله: نول الحياكة ومغزله العائلي وحقل صغير يزرعه أثناء أوقات فراغه. أما العامل فلم يكن يملك أي شيء من ذلك. ويعيش عامل المانيفاكتورة بصفة دائمة تقريبا في الريف ويرتبط بعلاقات أبوية مع الملاك الإقطاعي و صاحب العمل، بينما يعيش العامل في المدن الكبرى ولا تربطه بالرأسمالي سوى علاقة مالية صرفة. وتقوم الصناعات الكبرى بانتزاع العامل المانيفاكتوري من علاقته الأبوية فيخسر ما تبقى له من ملكية صغيرة متحولا بذلك إلى عامل.
١١. ما هي النتائج المباشرة لقيام الثورة الصناعية ولانقسام المجتمع إلى برجوازيين وبروليتاريين؟
أولا: لقد تم القضاء نهائيا على نظام المانيفاكتورة القديم وعلى التصنيع المعتمد على العمل اليدوي بسبب انخفاض ثمن المنتوجات الصناعية في جميع البلدان الناتج عن إدخال المكننة. كما انتزعت بعنف من عزلتها جميع البلدان شبه الهمجية حيث كان التصنيع مرتكزا على نظام المانيفاكتورة بعد أن ظلت حتى ذلك الحين على هامش التطور التاريخي، و راحت تشتري البضائع الإنجليزية الأرخص ثمنا تاركة بذلك عمّال المانيفاكتورات المحليين يموتون جوعا. وهكذا عرفت عدة بلدان لم تحقق أي تقدم منذ قرون، تحولات شاملة مثلما هو الشأن بالنسبة للهند. حتى أن الصين نفسها توجد الآن على عتبة تحول ثوري شامل.
وهكذا يؤدي اختراع آلة جديدة في إنجلترا بملايين العمال الصينيين إلى حافة المجاعة في غضون بضع سنوات. وبهذه الطريقة، ربطت الصناعة الكبرى جميع شعوب الأرض فيما بينها وحوّلت الأسواق المحلية إلى سوق عالمية واسعة ومهدت السبيل في كل مكان للتقدم والحضارة بحيث أصبح لكل ما يحدث في البلدان المتحضرة انعكاسات حتمية على جميع البلدان. فإذا تحرر العمّال في إنجلترا أو فرنسا فإن ذلك سوف يجر بالضرورة إلى اندلاع ثورات تؤدي إن آجلا أو عاجلا إلى تحرير العمال في البلدان الأخرى.
ثانيا: وقد أدى قيام الثورة الصناعية أينما حلّت الصناعة الكبرى محل الإنتاج المانيفاكتوري، إلى نمو منقطع النظير للطبقة البرجوازية و ثرواتها ونفوذها مما جعل منها الطبقة الأولى في المجتمع. وحيثما حدث ذلك، استولت البرجوازية على السلطة السياسية وكذلك أزاحت الطبقات التي كانت سائدة آنذاك الأرستقراطية وأمناء الحرفيين والحكم الفردي المطلق الذي كان يمثّل هاتين الطبقتين.
لقد قضت البرجوازية على نفوذ الأرستقراطية والنبلاء وذلك بإلغاء الأوقاف (أو ما يسمى بحق الإبن الأكبر) وجميع الامتيازات الإقطاعية. كما حطّمت سلطة البرجوازيين الصغار بالمدن عندما قامت بإلغاء كل التجمعات الحرفية وجميع امتيازاتها وصلوحياتها، وأحلّت محل ذلك نظام المنافسة الحرة الذي يسمح لكل فرد بأن يتعاطى النشاط الاقتصادي الذي يروق له ولا يمكن أن يُعيقه عن ذلك سوى عدم توفر رأس المال اللازم لهذا الغرض.
وهكذا كان إدخال المنافسة الحرة بمثابة الإعلان الرسمي بأن أفراد المجتمع ليسوا متفاوتين إلا بنسبة تفاوت رساميلهم وأصبح الرأسمال هو القوة الحاسمة والمحددة وبالتالي أصبح الرأسماليون البرجوازيون هم الطبقة الأولى في المجتمع.
ولكن بقيت المنافسة الحرة ضرورية، أول الأمر، لتطوير الصناعة الكبيرة بما أنها النظام الوحيد الذي يسمح لها بالنمو.
وما إن غدت البرجوازية الطبقة الأولى على الصعيد الاقتصادي حتى أعلنت كذلك أولويتها على الصعيد السياسي. وقد تم لها ذلك بواسطة إدخال النظام التمثيلي القائم على أساس المساواة البرجوازية أمام القانون و الاعتراف بشرعية المنافسة الحرة. وهذا ما وقع إقراره في البلدان الأوروبية في شكل "نظام ملكي دستوري" حيث لا يتمتع بالحق الانتخابي إلا الذين يملكون رأسمال معين أي البرجوازيين وحدهم، وهكذا يرشح الناخبون البرجوازيون نوابا من بينهم يقومون باستخدام حقهم في رفض المصادقة على الضرائب لتنصيب حكومة برجوازية أيضا.
ثالثا: ومثلما سمحت الثورة الصناعية في كل مكان بنمو البرجوازية سمحت أيضا بنمو العمال. وكلما ازدادت البرجوازية غنى ازدادت الطبقة العاملة عددا وبما أن العمال لا يمكن تشكيلهم إلا بواسطة رأس المال وأن هذا الأخير لا يستطيع النمو إلا بتشغيل العمال فإذا تكاثر عدد العمال يزداد بارتباط وثيق مع تراكم رأس المال.
كما أدت الثورة الصناعية أيضا إلى حشد البرجوازيين، تماما مثل العمال، في تجمعات كبيرة يمارس فيها الرأسماليون النشاط الصناعي بمزيد من الفوائد والأرباح، وتمكن العمال، بحكم تمركزها بأعداد هائلة في رقعة محدودة، من أن تدرك مدى قوتها.
ومن ناحية أخرى، كلما تطورت الثورة الصناعية، كلما وقع اختراع المزيد من الآلات الحديثة، الشيء الذي يؤدي إلى الاستغناء أكثر فأكثر عن العمل اليدوي. بحيث تسعى الصناعة الكبيرة – كما بينا سابق – إلى التخفيض من الأجر إلى حده الأدنى متسببة بذلك في تردي أوضاع العمال من سيئ إلى أسوأ. وهكذا تمهد الثورة الصناعية إلى قيام ثورة اجتماعية بقيادة الطبقة العاملة نتيجة تفاقم استياء وتذمر العمال من ناحية، وتعاظم قوتها من ناحية أخرى.
١٢. ما هي النتائج الأخرى للثورة الصناعية؟
لقد أوجدت الصناعة الكبرى، عبر الآلة البخارية وغيرها، وسائل زيادة الإنتاج الصناعي بسرعة فائقة وكلفة أقل إلى أقصى الحدود. وسرعان ما اكتسبت المنافسة، التي فرضتها الصناعة الكبرى، طابعا عنيفا جدا. وتهافت عدد ضخم من الرأسماليين على ممارسة النشاط الصناعي ولم يلبث أن أصبح الإنتاج يفوق بكثير ما يمكن استهلاكه. ولم تجد البضائع من يشتريها وتكدست السلع فكانت "الأزمة التجارية" واضطرت المصانع إلى التوقف عن العمل وأعلن الكثير من الصناعيين إفلاسهم ووجد العمال أنفسهم مهددين بالمجاعة وعم البؤس الرهيب كل مكان. وبعد فترة، بيعت كل السلع الزائدة عن الحاجة واستأنفت المصانع نشاطها وارتفعت الأجور شيئا فشيئا وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي، بل أحسن من أي وقت مضى. ولكن لم يدم ذلك طويلا، إذ سرعان ما أنتجت سلع زائدة عن الحاجة وحصلت أزمة جديدة اتخذت مسار سابقتها. وهكذا منذ بداية هذا القرن (التاسع عشر)، تأرجحت باستمرار الأوضاع الاقتصادية بين فترات الازدهار وفترات الأزمة، وبصفة شبه منتظمة، أي كل خمس أو سبع سنوات، تحت أزمة دورية تجلب للعمال البؤس وتنفث فيهم روح الهيحان الثوري العام وتشكل خطرا بالغا على النظام القائم كله.
١٣. ما هي نتائج الأزمات الاقتصادية الدورية؟
أولا: إن الصناعة الكبيرة، رغم كونها هي التي ولدت نظام المنافسة الحرة أثناء المرحلة الأولى لنموها، لم يعد يلائمها هذا النظام. ثم إن المزاحمة الحرة، وبصفة عامة ممارسة النشاط الصناعي من قبل مختلف الأفراد، أصبحا يشكلان بالنسبة للصناعة الكبيرة عقبة مطروح عليها تجاوزها. وطالما بقيت الصناعة الكبيرة تمارس على هذا الأساس فإنه لا يمكن لها أن تبقى وتستمر دون أن تؤدي كل خمس أو سبع سنوات إلى حالة من الفوضى العامة تهدد في كل مرة بدمار الحضارة البشرية بأسرها ولا تقتصر فقط على إلقاء ملايين العمال في مهاوي البؤس والشقاء، بل تلقي قسما كبيرا من العمال على حافة الإفلاس والخراب. وهكذا فإما أن تدمر الصناعة الكبيرة نفسها بنفسها – وهذا محال إطلاقا – وإما أن تعمد إلى تركيز تنظيم جديد تماما للمجتمع لا يكون فيه الإنتاج الصناعي موجها لا من قبل بضعة صناعيين قلائل يزاحم بعضهم بعضا بل من طرف المجتمع بأسره وفقا لخطة مرسومة حسب حاجيات كل أفراد المجتمع
ثانيا: إن الصناعة الكبيرة وما تتيحه من إمكانية لا متناهية لتوسيع الإنتاج، تفسح المجال لإحلال نظام اجتماعي سيبلغ فيه إنتاج وسائل العيش حدا يمكّن كل فرد في المجتمع من إمكانية تنمية قدراته ومؤهلاته الخاصة واستخدامها بكل حرية. بحيث أن الصناعة الكبيرة التي عودتنا على خلق الأزمات الاقتصادية ونشر البؤس في المجتمع الراهن، يمكن توظيفها بفضل تنظيم اجتماعي آخر في سبيل إلغاء البؤس وكل الأزمات. ومن هنا يتضح ما يلي :
أ – أن جميع هذه الأمراض اليوم ليس لها من سبب سوى النظام الاجتماعي القائم الذي لم يعد يستجيب لحاجيات المجتمع.
ب – إن وسائل القضاء على جميع هذه الأمراض أصبح الآن متوفرا وذلك بفضل بناء نظام اجتماعي جديد.
١٤. كيف ينبغي أن يكون هذا النظام الاجتماعي الجديد؟
ينبغي قبل كل شيء انتزاع المصانع وفروع الإنتاج الأخرى من أيدي الأفراد الخواص المتنافسين فيما بينهم ووضعها تحت إدارة وتسيير المجتمع بأسره. مما يعني أنها ستصبح مسيّرة في خدمة المصلحة العامة طبقا لخطة مشتركة وبمساهمة جميع أفراد المجتمع. وبالتالي يقع القضاء على المنافسة ويستعاض عنها بمبدأ المشاركة والتعاون. ومن ناحية أخرى، فإن الملكية الخاصة لا يمكن فصلها عن المنافسة وعن ممارسة أشخاص منفردين للنشاط الاقتصادي. ذلك أن ممارسة هؤلاء الأشخاص للنشاط الصناعي يفترض بالضرورة وجود الملكية الخاصة، كما أن الملكية الخاصة لا يمكن فصلها عن المنافسة نظرا لكون هذه المنافسة ليست سوى أسلوبا لممارسة نشاط صناعي مفتوح أمام بضعة أشخاص منفردين لإدارته وتسييره وهكذا فلا بد من إلغاء الملكية الخاصة والاستعاضة عنها بالاستخدام الجماعي لكل وسائل الإنتاج وبالتوزيع العادل لكل المنتوج وذلك بمقتضى اتفاق مشترك او ما يسمى بـ "اشتراكية الخيرات". بل إن إلغاء الملكية الخاصة هو التعبير الأوجز والأكثر دلالة عن ذلك التحول الشامل، الذي حتمه التطور الصناعي، في النظام الاجتماعي. ولهذا السبب يعتبر إلغاء الملكية الفردية المطلب الرئيسي بحق لكافة الشيوعيين.
١٥. أ فلم يكن إلغاء الملكية الخاصة ممكنا في الماضي؟
كلا. إن كل تحول في علاقات الملكية وكل تغير في النظام الاجتماعي هما النتيجة الضرورية لظهور قوى منتجة جديدة لم تعد تتلاءم مع علاقة الملكية القديمة. إذ هكذا برزت الملكية الفردية للوجود. ذلك أنها لم تكن موجودة منذ بدء التاريخ. وعندما انبثق في أواخر القرون الوسطى نمط جديد للإنتاج في شكل ماينفاكتورة، أخذ ينمو في تناقض تام مع الملكية الإقطاعية والحرفية السائدة آنذاك. وبحكم عدم ملاءمة الإنتاج المانيفاكتوري لعلاقات الملكية القديمة، ولد ذلك شكلا جديدا من أشكال الملكية هي الملكية الخاصة. وفعلا، فبالنسبة للمانيفاكتورة، كما بالنسبة للمرحلة الأولى من مراحل نمو الصناعة الكبرى، لم يكن ثمة من شكل ممكن للملكية غير الملكية الخاصة. كما لم يكن ثمة شكل مجتمعي ممكن غير المجتمع المرتكز أساسا على الملكية الخاصة. وطالما لم يكن بالإمكان إنتاج كمية من البضائع تكفي، لا فقط لسد حاجيات المجتمع، بل لإبقاء فائض معين منها يسمح بتراكم الرأسمال الاجتماعي وبتطوير القوى المنتجة، لا بد أن توجد طبقة مسيطرة تتصرف بالقوى المنتجة وطبقة أخرى فقيرة ومضطهدة. إن تركيبة كل هاتين الطبقتين وطابعهما يتوقفان على درجة تطور الإنتاج. فمجتمع القرون الوسطى، القائم على زراعة الأرض، يعطينا السيد الإقطاعي والقن. وفي نهاية القرون الوسطى تعطينا المدن المعلم الحرفي والصانع والعامل اليومي. ويعطينا القرن السابع عشر صاحب المانيفاكتورة والعامل. والقرن التاسع عشر، الصناعي الكبير (البرجوازي) والبروليتاريا.
وهكذا يتضح أن القوى المنتجة لم تبلغ بعد بما فيه الكفاية درجة من النمو تمكنها من إنتاج ما يكفي الجميع وتجعل من الملكية الخاصة عبئا وعائقا لنموها. أما اليوم :
إثر نمو الصناعة الكبيرة، أنشأت الرساميل وتطورت القوى المنتجة على نحو لم يسبق له مثيل وتوفرت الوسائل الضرورية للزيادة سريعا في القوى المنتجة إلى ما لا نهاية له.
تمركزت القوى المنتجة أكثر فأكثر بين أيدي حفنة من البرجوازيين، بينما يُـقذف بالأغلبية الكبرى من الشعب إلى مصاف العمال التي يغدو وضعها أشد بؤسا وأصعب احتمالا في الوقت الذي تتضاعف فيه ثروات البرجوازيين.
تضاعفت القوى المنتجة بسهولة كبيرة مما جعلها تتجاوز إطار الملكية الخاصة والنظام البرجوازي إلى حد أنها أصبحت تثير بلا انقطاع أعنف الاضطرابات الخطيرة على النظام الاجتماعي. اليوم إذن والحالة تلك، فإن القضاء على الملكية الخاصة لم يعد فقط ممكنا بل أصبح ضروريا على الإطلاق.
١٦. هل يمكن إزالة الملكية الخاصة بالطرق السلمية؟
حبذا لو كان ذلك ممكنا، وسيكون الشيوعيون بالتأكيد هم آخر من يشتكي من ذلك، لأنهم يدركون جيدا أن التآمر مهما كان ليس فقط عديم الجدوى بل ضار أيضا. كما أنهم يعلمون تمام العلم أن الثورات لا تقوم اعتباطا أو على إثر مرسوم، بل إنها كانت في كل مكان وزمان نتيجة حتمية لظروف مستقلة كليا عن إرادة وقيادة الأحزاب وحتى الطبقات بأسرها. ولكن الشيوعيين يرون من جهة أخرى أن نمو الطبقة العاملة يصطدم في جميع البلدان المتحضرة تقريبا بهجمة قمعية شرسة وأن خصوم الشيوعيين أنفسهم يساهمون بذلك في قيام الثورة بكل ما أوتوا من قوة. ولما كان ذلك يدفع في نهاية الأمر الطبقة العاملة المضطهدة إلى الثورة فإننا نحن الشيوعيون سندافع آنذاك عن قضية العمال بالفعل وبكل حزم مثلما ندافع عنها حاليا بالكلمة.
١٧. هل يمكن إزالة الملكية الخاصة دفعة واحدة؟
كلا. مثلما لا يمكن تنمية القوى المنتجة الموجودة حاليا دفعة واحدة بطريقة تجعل بالإمكان إقامة اقتصاد جماعي مشترك بين عشية وضحاها، فكذلك الثورة العمالية، التي تشير كل الدلائل إلى اقترابها، لا تستطيع سوى تحويل المجتمع تدريجيا. ولن يكون في وسعها إلغاء الملكية الخاصة بصفة نهائية إلا بعد توفر الكمية الضرورية من وسائل الإنتاج.
١٨. ما هو المسار الذي ستسلكه هذه الثورة؟
بادئ ذي بدء ستركز الثورة نظاما ديمقراطيا مكرسة بالتالي سيطرة الطبقة العاملة سياسيا بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
بصفة مباشرة في إنجلترا حيث تشكل الطبقة العاملة غالبية الشعب وبصفة غير مباشرة في فرنسا وألمانيا حيث الأغلبية مكونة لا فقط من العمال بل أيضا من صغار الفلاحين والبرجوازيين الصغار الذين لا يزالون بعد بصدد التحول إلى عمال والذين يتزايد ارتباطهم بالعمال خاصة فيما يتعلق بتحقيق مطالبهم السياسية، وبالتالي يتعين عليهم الانضمام فورا إلى مطالب الطبقة العاملة. وقد يقتضي الحال خوض مرحلة جديدة من النضال لا بد أن تتوج بانتصار الطبقة العاملة.
ولا يمكن أن تكون الديمقراطية ذات جدوى بالنسبة للطبقة العاملة إذا لم تستخدمها مباشرة لاتخاذ إجراءات شاملة تقتضي المس من الملكية الخاصة وتكفل وجود الطبقة العاملة ذاتها.
ولعل أهم هذه الإجراءات، كما تمليها بالضرورة الأوضاع الراهنة، هي التالية.
١ – الحد من الملكية الخاصة بواسطة الضرائب التصاعدية على الدخل والضرائب المرتفعة على الإرث. إلغاء حق الإرث بالنسبة للحواشي (الاخوة وأبناء الخال) الخ...
٢ – المصادرة التدريجية لأملاك كبار العقاريين والصناعيين وأصحاب خطوط السكك الحديدية والبواخر وذلك بواسطة منافسة القطاع العام في الصناعة من جهة وبواسطة المصادرة المباشرة مقابل تعويضات معينة من جهة أخرى.
٣ – مصادرة أملاك جميع المهاجرين والمتمردين ضد مصلحة غالبية الشعب.
٤ – تنظيم العمل وتشغيل العمال في ممتلكات ومصانع ومؤسسات الدولة مما يقضي على تنافس العمال فيما بينهم ويضطر ما تبقى من الرأسماليين على دفع أجور مرتفعة مساوية لما تدفعه الدولة.
٥ – إلزامية العمل لجميع أفراد المجتمع حتى القضاء التام على الملكية الخاصة. تكثيف حشود المشتغلين بالصناعة وخاصة لخدمة أغراض الأنشطة الفلاحية.
٦ – مركزة نظام القروض وتبادل العملة في أيدي الدولة وذلك بواسطة إنشاء بنك وطني ذي رأسمال حكومي وإلغاء كل البنوك الخاصة.
٧ – مضاعفة عدد المصانع والمشاغل والسكك الحديدية والسفن التابعة للقطاع العام واستصلاح الأراضي المهملة وترشيد استغلال الأراضي الفلاحية وبذلك تقع الزيادة في الرساميل وتنمو القوى العاملة بالبلاد.
٨ – تعليم جميع الأطفال في مؤسسات الدولة وعلى نفقتها منذ أن يصبح بإمكانهم الاستغناء عن عناية أمهاتهم (التنسيق بين التعليم والعمل الصناعي).
٩ – بناء مجمعات في الصناعة أو الفلاحة مع الحرص على توفير جميع إيجابيات الحياة في كل من المدينة والريف مع التخلص من سلبياتها.
١٠ – تهديم جميع المساكن والأحياء غير الصحية والسيئة البناء.
١١ – تمتيع الأبناء الشرعيين وغير الشرعيين بنفس حقوق الإرث.
١٢ – مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة.
طبعا لا يمكن تطبيق كل هذه الإجراءات دفعة واحدة، ولكن كل إجراء يجر حتما إلى تطبيق الإجراء الموالي. إذ يكفي أن يقع المساس بصفة جذرية بالملكية الخاصة حتى تجد الطبقة العاملة نفسها مدفوعة إلى المضي قدما وإلى تعزيز مركزة الرساميل والصناعة والفلاحة والنقل والمبادلات بين أيدي الدولة.
ذلك هو الهدف الذي تصبو إليه كل هذه الإجراءات. وبقدر ما تتعاظم وتنمو قوى الإنتاج بقدر ما تصبح هذه الإجراءات قابلة للتطبيق وتؤدي دورها الممركز وبفضل عمل ومجهود العمال.
وأخيرا عندما يتحقق تمركز رأس المال والإنتاج والمبادلات بيد الدولة تسقط الملكية الخاصة من تلقاء نفسها وتصبح النقود بلا أي قيمة ويتضاعف الإنتاج ويتخير الناس على نحو يصبح معه من الممكن إزالة ما تبقى من علاقات المجتمع القديم.
١٩. هل سيكون من الممكن لهذه الثورة أن تقع في بلد واحد فقط؟
لا. بخلق السوق العالمية، تكون الصناعات الكبرى قد جعلت كل شعوب الأرض، خاصة الشعوب المتحضرة، في علاقات قريبة فيما بينها مما لا يمكّّن إحداها من أن تكون مستقلة عما يجري للأخرى.
كما أنها أوثـقت التطور الاجتماعي للشعوب المتحضرة لدرجة أنه في كل منها، أصبحت الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا هما الطبقاتان الحاسمتان، وأصبح الصراع بينهما هو الصراع المرحليّ الكبير. هذا ما يجرّ إلى أن الثورة الشيوعية لن تكون مجرد ظاهرة قومية بل يجب أن تقع في نفس الوقت في كل البلدان المتحضرة. هذا يعني، على الأقل في إنجلترا وأمريكا وفرنسا وألمانيا.
ستتطور في كل هذه البلدان بسرعات متفاوتة حسب تطور الصناعة والثروة وأهمية كتلة القوى المنتجة. من هنا، ستبدأ بطيئة ثم ستواجه أكثر العراقيل في ألمانيا، وبأكثر سرعة وبأقل عراقيل في إنجلترا. وسيكون لها مفعول قوي على بقية بلدان العالم، وستغير جذريا مسار التطور الذي كانت تتبعه حتى الآن متجاوزة رقعتها.
٢٠. ما هي نتائج إلغاء الملكية الخاصة؟
إن انتزاع جميع القوى المنتجة وكل وسائل النقل وتبادل وتوزيع المنتجات من أيدي الرأسماليين الخواص وتسييرها حسب خطة مضبوطة للموارد والحاجات المشتركة يمكن المجتمع قبل كل شيء من القضاء على العواقب الوخيمة المرتبطة بالنظام الحالي لإدارة وتسيير الصناعة الكبيرة. وستختفي جميع الأزمات وسيصبح الإنتاج الواسع غير كاف لسد حاجيات المجتمع، بعد أن كان سببا هاما من أسباب البؤس، بل ينبغي توسيعه أكثر فأكثر. وبدلا من التسبب في إحلال البؤس سيمكن فائض الإنتاج الواسع من تلبية حاجيات الجميع بل سيخلق حاجات جديدة مع وسائل تلبيتها في نفس الوقت.
كما سيكون فائض الإنتاج هذا شرطا من شروط إحراز خطوات جديدة على درب التقدم وسببا من أسبابه دون أن يلقى بالمجتمع بصفة دورية في دوامة الاضطرابات مثلما هو الشأن إلى حد الآن.
وبتحررها من نير الملكية الخاصة ستشهد الصناعة الكبيرة توسعا هائلا إلى درجة أن توسعها الراهن سيبدو ضئيلا في مثل ضآلة المانيفاكتورة إذا ما قيست بالصناعة الكبيرة والحديثة. وسيوفر تطور الصناعة الكبيرة للمجتمع مقادير من المنتوجات تكفي لسد حاجيات الجميع. أما الفلاحة فبعد أن تعذر عليها الاستفادة من التحسينات والاختراعات العلمية الجديدة من إجراء نظام الملكية الخاصة ولتجزئة (الإرث) فإنها سوف تشهد انطلاقة جديدة وتوفر للمجتمع كمية كافية من المنتوجات الفلاحية. وهكذا سيصبح بإمكان المجتمع إنتاج ما يكفي لتنظيم التوزيع بما يؤمن تلبية حاجيات جميع أفراده. وبذلك سيصبح انقسام المجتمع إلى مختلف الطبقات المتعارضة أمرا لا مجال له. وليس هذا فحسب، بل وغير متطابق مع النظام الاجتماعي الجديد، وبما أن وجود الطبقات ناجم عن تقسيم العمل نفسه وبأشكاله الحالية، سيختفي نهائيا. ذلك أن رفع الإنتاج الصناعي والفلاحي إلى المستوى المذكور لا يتطلب الوسائل الميكانيكية والكيميائية فقط، ولكن يتطلب أيضا الرفع من مستوى الأشخاص الذين يستعملون هذه الوسائل بنفس الدرجة. وكما غير عمال المانيفاكتورة والفلاحون من طريقة عيشهم وتغيروا هم أنفسهم منذ انخراطهم في حلبة الصناعة الكبيرة، فإن التسيير الجماعي للقوى المنتجة وما ينجر عنه من نمو مطرد لمجمل الإنتاج سيحتم بل سيخلق أناسا اليوم. ولا يمكن تأمين هذا التسيير الجماعي بواسطة أناس مرتبطين أشد الارتباط بفرع معين من الإنتاج مكبلين به، مستغلين من طرفه، عاجزين عن تنمية أكثر من موهبة واحدة من مواهبهم على حساب مداركهم الأخرى وغير مستوعبين سوى فرع واحد من فروع الإنتاج، بل جزء صغير جدا من ذلك الفرع. إن الصناعة الكبيرة أصبحت حاليا في غنى أكثر عن مثل هؤلاء الناس. أما الصناعة المسيرة جماعيا، حسب مخطط تضبطه المجموعة بأسرها، فإنها تفترض توفر أناس ذوي كفاءات عالية ومتطورة في كل المجالات والقادرين على الإحاطة بمجمل نظام الإنتاج والسيطرة عليه. وسيختفي نهائيا تقسيم العمل الذي قوضته المكننة بعد أن تحول البعض إلى فلاح والبعض الآخر إلى إسكافي والثالث إلى عامل والرابع إلى مضارب في البورصة. وسيتيح نظام التعليم لجميع الشبان إمكانية استيعاب مجمل نظام الإنتاج بصفة سريعة وعملية وسيمكنهم من الإنتقال من فرع إلى آخر حسب حاجيات المجتمع أو حسب ميولاتهم الشخصية وسيتحررون بالتالي من الطابع الأحادي الذي يفرضه عليهم التقسيم الحالي للعمل. وهكذا يتيح المجتمع المنظم على أساس قواعد شيوعية لأفراده إمكانية استخدام مواهبهم المصقولة على نحو متناسق في جميع المجالات وتكون النتيجة زوال الفوارق الطبقية. كما سيزول، بإزالة الملكية الخاصة، التناقض الموجود بين المدينة والريف. وتعتبر ممارسة نفس الأشخاص عوضا عن مختلف الطبقات للنشاط الصناعي والفلاحي هي إحدى الشروط الضرورية لتركيز التنظيم الشيوعي، على الأقل لأسباب مادية بحتة. إن تشتت السكان الريفيين وتجمع السكان الصناعيين في المدن ظاهرة تمثل مرحلة متدنية من مراحل تطور الفلاحة والصناعة وتشكل عقبة هامة أمام التقدم بدأنا نشعر به منذ الآن. وأخيرا، إن النتائج الرئيسية لإلغاء الملكية الفردية هي التالية :
– تكاتف جميع أفراد المجتمع من أجل الاستغلال الجماعي والعقلاني للقوى المنتجة.
– تزايد الإنتاج بمقادير كافية لتلبية حاجيات الجميع.
– إلغاء الوضعية التي بمقتضاها يشبع البعض حاجاتهم على حساب الآخرين.
– إزالة الطبقات والفوارق الطبقية بصفة نهائية.
– تنمية مؤهلات ومواهب جميع أفراد المجتمع بفضل إلغاء تقسيم العمل كما عرفناه لحد الآن وبفضل نظام التعليم المرتكز على العمل وبفضل تنويع النشاطات التي يتعاطاها الناس وتشريك الجميع في التمتع بالخيرات المبدعة من قبل الجميع وكذلك بفضل إدماج المدينة بالريف.
٢١. ماذا سيكون تأثير المجتمع الشيوعي على العائلة؟
سيُحوّل (المجتمع الشيوعي) العلاقات بين الجنسين إلى قضية شخصية صرفة لا تهم إلا الأشخاص المعنيين بحيث لن توجد هناك فرصة للمجتمع للتدخل. سيتمكن (المجتمع الشيوعي) من هذا بما أنه تخلص من الملكية الخاصة وعلّم الأطفال على قاعدة مشتركة. بهذه الطريقة يكون قد أزال قاعدتي الزواج التقليدي – الاستقلال المتجذر في الملكية الخاصة، وفي المرأة على الرجل، وفي الأطفال على الوالدين.
وفي ما يلي الجواب على صرخة ضيّقي الأفق ضد "مجتمع النساء". مجتمع النساء هو حالة تنتمي بأكملها إلى المجتمع البرجوازي الذي يجد اليوم تعبيره الكامل في البغاء. لكن البغاء يقوم على الملكية الخاصة التي بها تسقط المرأة. هكذا، فالمجتمع الشيوعي، عوض إن يقدّم مجتمع النساء، يلغيه.
٢٢. ماذا سيكون موقف الشيوعية من القوميات الموجودة؟
ستُرغم قوميات الشعوب التي ألزمت نفسها بمقتضى مبادئ جماعية، على الاختلاط فيما بينها كنتيجة لهذه الشراكة وعليه لتحل أنفسها، تماما مثل الإرث وتباين الطبقات المختلفة التي يجب أن تختفي عبر إلغاء أساسها، الملكية الخاصة.
٢٣. ماذا سيكون موقفها من الديانات الموجودة؟
كانت كل الأديان إلى حد اليوم تعبير لتطور المراحل التاريخية لشعوب مفردة أو مجمعة. لكن الشيوعية هي مرحلة التطور التاريخي الذي يجعل كل الأديان الموجودة سطحية وتؤدي إلى اضمحلالها.
فريدريك انجلز
أوكتوبر – نوفمبر ١٨٤٧
|