Farsi    Arabic    English   
مقدمة لفريدريك انجلس       رسالة فريدريك انجلز إلى بيبل

نقد برنامج غوتا

رسالة كارل ماركس إلى براكه




لندن، ٥ ماي ١٨٧٥

عزيزي براكه،

بعد مطالعة الملاحظات الإنتـقادية الواردة أدناه بخصوص البرنامج التوحيدي، تـفضل بإرسالها إلى غيب Geib وآوير Auer وبيبل Bebel وليبكنخت Liebknecht للإطلاع عليها. إن لدي من الشغل لما فوق رأسي فأراني مضطراً لأن أتخطى بعيداً حدود وقت العمل الذي يسمح لي به الأطباء. ولذا لم أجد "لذة" خاصة في خربشة هذه الكمية البالغة من الورق. ولكن هذا كان ضرورياً لكي لا يستطيع الأصدقاء الحزبيون الذين حررت من أجلهم هذه الملاحظات أن يفسروا فيما بعد تفسيراً خاطئاً التدابير التي سيترتب عليّ أن أتخذها من جانبي – أقصد بذلك بياناً موجزاً سننشره انجلس وأنا بعد المؤتمر التوحيدي ونعلن فيه أنه لا علاقة لنا اطلاقاً ولا صلة بهذا البرنامج المبدئي المشار اليه.

وهذا المسعى ضروري لأنه تروج في الخارج إشاعة كاذبة تماماً يغذيها أعداء الحزب بإمعان وتزعم أننا نوجه من هنا، سرّاً، حركة الحزب المسمى بحزب ايزيناخ[١]. فإن باكونين، مثلاً، قد نشر لأمد قريب كتاباً باللغة الروسية[٢] جعلني فيه مسؤولاً، لا عن كل برنامج هذا الحزب وغير ذلك من وثائقه فحسب، بل أيضاً عن كل خطوة خطاها ليبكنخت منذ بداية تعاونه مع حزب الشعب[٣].

وما عدا ذلك، لا يسمح لي واجبي بأن اعترف، وإن بصمت ديبلوماسي، ببرنامج أنا مقـتـنع بأنه غير صالح إطلاقاً وبأنه يهدم من معنويات الحزب.

إن كل خطوة تخطوها الحركة الفعلية لأهم من دزينة من البرامج. ولذا، إذا كان قد تبين أنه من المستحيل تجاوز برنامج ايزيناخ – والظروف لم تكن تسمح بذلك – فقد كان من المترتب عقد اتفاق، على الأقل، من أجل العمل ضد العدو المشترك. ولكنهم، إذ عمدوا إلى ضع برامج مبدئية (بدلا من تأجيل هذا الأمر إلى مرحلة يحضره فيها نشاط مشترك أطول)، يقيمون بالتالي أمام العالم كله صدى يحكم الناس بالاستـناد إليها على المستوى الذي بلغته حركة الحزب.

لقد جاء زعماء اللاساليين إلينا بدافع الظروف. فلو قيل لهم منذ البدء بأنه لن يقدم أحد على أية مساومة حول المبادئ، لكان ترتب عليهم طبعاً الإكتـفاء ببرنامج عمل أو ببرنامج تنظيم بغية القيام بعمل مشترك. ولكن بدلا من هذا يسمحون لهم بأن يأتوا مسلحين بتفويضات ويعترفون بمفعولها الإلزامي، وهكذا يستسلمون ويضعون أنفسهم تحت رحمة أناس هم أنفسهم بحاجة إلى المساعدة. وزيادة في الطين بلة، عقد هؤلاء مؤتمرهم قبل المؤتمر التوفيقي في حين عقد الحزب بالذات مؤتمره post festum*.

ومن الجلي أنه كان ثمة سعي إلى درء أي انتقاد وإلى منع الحزب بالذات من التـفكير في المسألة. ومعلوم أن واقع الإتحاد بالذات يرضي العمال، ولكنهم يخطئون أولئك الذين يعتقدون أن هذا النجاح العابر لا يكلف غالياً جداً.

وفضلا عن ذلك، فإن البرنامج لا قيمة له، حتى ولو لم نأخذ بعين الاعتبار أنه يضفي صفة القداسة على قوانين الإيمان اللاسالية.

وفي القريب العاجل، سأرسل لك الكراريس الأخيرة من الطبعة الفرنسية لـ"رأس المال". وقد تأخر طبعها زمناً طويلاً بسبب منع الحكومة الفرنسية. إن الكتاب سيكون جاهزاً في هذا الأسبوع أو في مطلع الأسبوع القادم. فهل تلقيت الكراريس الستة الأولى؟ أرجوك أيضاً أن ترسل لي عنوان برهارد بيكر الذي يتعين عليّ أن أرسل له أيضاً هذه الكراريس الأخيرة.

إن لدار الطبع"Volksstaat"[٤] عاداتها الخاصة. فإني لم أستلم مثلا حتى الآن أية نسخة من الطبعة الجديدة لكتاب "محاكمة الشيوعيين في كولونيا"**.

مع أطيب تمنياتي

المخلص كارل ماركس



[١] تأسس حزب العمال الاشتراكي-الديمقراطي الألماني المعروف فيما بعد باسم حزب الايزيناخيين في المؤتمر العام للاشتراكيين-الديموقراطيين في ألمانيا والنمسا وسويسرا المنعقد في ٧-٩ آب/أغسطس ١٨٦٩ في مدينة ايزيناخ. كان البرنامج الذي اتخده المؤتمر يتفق اجمالاً مع روح مطالب الأممية.

[٢] المقصود هنا كتاب باكونين "الدولة والفوضى" الصادر في سويسرا عام ١٨٧٣.

[٣] حزب الشعب الألماني : تأسس عام ١٨٦٥. تألف من عناصر ديموقراطية من البرجوازية الصغيرة، وجزئياً من البرجوازية، في الدويلات الألمانية الجنوبية بصورة رئيسية. عارض الحزب إقامة زعامة بروسيا في ألمانيا ودافع عن خطة ما يسمى "ألمانيا الكبرى" التي كان يجب أن تضم بروسيا والنمسا على السواء. روج الحزب لفكرة إقامة دولة ألمانية إتحادية وعارض توحيد ألمانيا بشكل جمهورية ديموقراطية ممركزة موحدة. في عام ١٨٦٦، انضم حزب الشعب الساكسوني الذي كان يشكل العمال نواته الأساسية إلى حزب الشعب الألماني. كان هذا الجناح اليساري يشاطر حزب الشعب سعيه إلى حل مسألة توحيد البلاد بالسبيل الديموقراطي؛ وقد اشترك في تأسيس حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي الالماني في آب/أغسطس ١٨٦٩.

[٤] "Volksstaat" المقصود هنا دار الطبع والنشر التابعة لحزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي الألماني التي كانت تصدر جريدة "Volksstaat" وكذلك المطبوعات الاشتراكية-الديموقراطية. كان بيبل يرأس الدار.

[*] بمعنى بعد فوات الاوان.

[**] "يقصد مؤلف ماركس "أضواء على محاكمة الشيوعيين في كولونيا".

نقد برنامج غوتا


I



١– "العمل مصدر كل ثروة وكل ثقافة، ولمّا كان العمل المفيد غير ممكن إلا في المجتمع وبواسطة المجتمع، فإن دخل العمل يخص بشكله غير المنقوص، وبالحق المتساوي، جميع أعضاء المجتمع".

القسم الأوّل من هذه الفقرة: "العمل مصدر كل ثروة وكل ثـقافة".

إن العمل ليس مصدر كل ثروة. فالطبيعة هي مصدر القيم الإستعمالية (التي هي بالضبط تؤلف الثروة المادية!) بقدر ما هو عليه العمل الذي ليس هو نفسه سوى ظاهرة لقوة من قوى الطبيعة أي لقوة عمل الإنسان. وهذه الجملة الواردة أعلاه تعثرون عليها في جميع كتب الألفباء، ولا تصح إلا بقدر ما تعني أن العمل يجري عند توافر الأشياء والأدوات المناسبة. ولكنه لا يجوز لبرنامج إشتراكي أن يحتوي مثل هذه التعابير والجمل البرجوازية التي تلزم الصمت حول الشروط التي وحدها تستطيع أن تعطيها معنى. فإن عمل الإنسان لن يصبح مصدر القيم الاستعمالية، وبالتالي مصدر الثروة، إلا شرط أن يسلك، منذ البدء، سلوك المالك إزاء الطبيعة، إزاء هذا المصدر الأول لجميع وسائل العمل ومواد العمل، شرط أن يعاملها كأنها شيء يخصه. إن للبرجوازيين أسبابا وجيهة جدا لكي ينسبوا إلى العمل هذه القوة الخلاقة الفائقة الطبيعة؛ إذ ينجم من كون العمل مشروطا بالطبيعة، أن الإنسان الذي لا يملك غير قوة عمله، يصبح بالضرورة، مهما كانت أحواله الإجتماعية والثـقافية، عبد الذين وضعوا أيديهم على شروط العمل المادية. فلا يستطيع أن يعمل، وبالتالي أن يعيش، إلا بإذن هؤلاء.

ولكن لندع الآن هذه الجملة كما وردت ومهما كانت عيوبها. فأي استـنتاج يمكن أن نتوقعه ؟ طبعاً، الإستـنتاج التالي:

"لمّا كان العمل مصدر كل ثروة، فما من إنسان في المجتمع يستطيع أن يستأثر بالثروة بدون الإستـئـثار بنتاج العمل. فإذا كان هذا الإنسان لا يشتغل بنفسه، فإنه يعيش على حساب عمل الآخرين، بل إنه يكسب ثـقافته أيضاً على حساب عمل الآخرين".

وبدلا من هذا الإستـنتاج، يضيفون إلى الجملة الأولى جملة ثانية بواسطة التعبير "ولمّا"، لكي يستخلصوا من الثانية، لا من الأولى، استنتاجاً.

القسم الثاني من الفقرة: "العمل المفيد غير ممكن إلا في المجتمع وبواسطة المجتمع".

وفقاً للموضوعة الأولى، كان العمل مصدر كل ثروة وكل ثـقافة، وبالتالي لا يمكن أن يكون ثمة مجتمع دون عمل. ولكن، ها نحن نعلم بالعكس أن العمل "المفيد" غير ممكن بدون المجتمع.

وعلى هذا المنوال، يمكن القول أيضاً أن في المجتمع فقط يمكن للعمل غير المفيد، وحتى الضار اجتماعياً، أن يصبح فرعا من فروع الصناعة، وأن في المجتمع فقط للمرء أن يعيش بدون عمل، الخ.، الخ. – أي إنه، بكلمة موجزة، يمكن استنساخ كل روسو (Rousseau).

وما هو العمل "المفيد"؟ إنه ليس العمل الذي يعطي النتيجة المفيدة المرغوب فيها. فالإنسان المتوحش – وقد كان الإنسان متوحشاً بعد أن كف عن أن يكون قرداً – الذي يقتل حيواناً بضربة حجر، أو يقطف الثمر، الخ.، إنما يقوم بعمل "مفيد".

ثالثا. الإستـنتاج: "ولما كان العمل المفيد غير ممكن إلا في المجتمع وبواسطة المجتمع، فإن دخل العمل يخص بشكله غير المنقوص، وبالحق المتساوي، جميع أعضاء المجتمع".

فيا له من استنتاج ظريف! فإذا كان العمل المفيد غير ممكن إلا في المجتمع وبواسطة المجتمع، فإن دخل العمل يخص المجتمع، ولا يعود إلى الشغيل بمفرده من هذا الدخل إلا شيء يزيد عما لا غنى عنه لبقاء المجتمع بوصفه "شرط" العمل.

وبالفعل، كان المدافعون عن كل نظام اجتماعي قائم يتـقدمون في جميع الأزمان بهذه الموضوعة. أولا، ترد ادعاءات الحكومة، مع كل ما يلتصق بها، لأن الحكومة، كما يقال، هي جهاز المجتمع للمحافظة على النظام الاجتماعي؛ ثم ترد ادعاءات شتى أنواع الملكية الخاصة، لأن شتى أنواع الملكية الخاصة هي كلها، كما يقال، أساس المجتمع، الخ.. وهكذا نرى أن جميع هذه الجمل الفارغة يمكن قلبها وتفسيرها حسب الرغبة.

ولن يكون ثمة أي ترابط منطقي بين القسم الأول والقسم الثاني من هذه الفقرة إلا إذا وضعناها كما يلي:

"إن العمل لا يكون مصدراً للثروة والثـقافة إلا إذا كان عملا اجتماعياً"، أو، بتعبير آخر يؤدي المعنى نفسه، "في المجتمع وبواسطة المجتمع".

إن هذه الموضوعة صحيحة لا جدال فيها لأن العمل المنفرد (هذا إذا افترضنا وجود شروطه المادية)، إذا كان يستطيع أن يخلق قيماً استعمالية، إنما لا يستطيع أن يخلق لا الثروة ولا الثـقافة.

ولكن الموضوعة الأخرى صحيحة أيضاً ولا جدال فيها:

"وبقدر ما يتطور العمل تطوراً اجتماعياً ويغدو بالتالي مصدراً للثروة والثـقافة، بقدر ما يشتد الفقر والإملاق عند العامل، وتـتعاظم الثروة والثـقافة عند غير العامل".

ذلك هو قانون التاريخ برمته حتى الآن. فبدلا من الجمل والتعابير العامة حول "العمل" و"المجتمع"، كان ينبغي اذن أن يوضع هنا بدقة كيف تكوّنت في نهاية الأمر، في ظل المجتمع الرأسمالي الحالي، الشروط المادية وغيرها من الشروط التي تجعل العمال قادرين على دك هذه اللعنة الاجتماعية وتدفعهم إلى تحطيمها.

ولكن كل هذه الفقرة، غير الموفقة شكلا والخاطئة أساساً، لم ترد هنا إلا لكي يستطاع كتابة الصيغة اللاسالية "دخل العمل غير المنقوص"، كأول شعار على راية الحزب. وسأعود فيما بعد إلى "دخل العمل" و"الحق المتساوي"، الخ..، لأن الشيء نفسه يتكرر فيما بعد على نحو مختلف نوعاً.

٢– "إن وسائل العمل في المجتمع الحالي هي احتكار الطبقة الرأسمالية. وتبعية الطبقة العاملة، الناجمة عن هذا الوضع، هي سبب البؤس والاستبداد بكل أشكالهما".

إن هذه الفقرة، المقتبسة من نظام الأممية الداخلي، خاطئة بهذه الصيغة "المحسنة".

فإن وسائل العمل في المجتمع الحالي هي احتكار الملاكين العقاريين (بل إن احتكار الملكية العقارية هو ساس الاحتكار الرأسمالي) والرأسماليين. إلا إن نظام الأممية الداخلي ى يذكر في المقطع المعني، لا الطبقة الاحتكارية الأولى ولا الثانية. إنما يشير إلى "احتكار وسائل العمل أي مصادر الحياة". إن إضافة كلمتي "مصادر الحياة" تبين كفاية أن الأرض هي في عداد وسائل العمل.

وقد أجريَ هذا التحسين لأن لاسال، لأسباب غدت معروفة اليوم لدى الجميع، كان يهاجم الطبقة الرأسمالية وحدها، دون الملاكين العقاريين. ففي إنجلترا، لا يكون الرأسمالي، عادة، مالكا حتى للأرض التي يقوم عليها مصنعه.

٣– "إن تحرير العمل يتطلب رفع وسائل العمل إلى مستوى ملكية المجتمع بأسره، وضبط العمل الإجمالي بصورة جماعية مع توزيع دخل العمل توزيعا عادلاً".

"إن رفع وسائل العمل إلى مستوى ملكية المجتمع بأسره" (!) يعني على ما يبدو "تحويلها إلى ملكية للمجتمع بأسره"، ونقول هذا عرضاً.

ما المقصود بـ"دخل العمل ؟" أهو نتاج العمل أم قيمته ؟ فإذا عنيت قيمته، فهل قيمة النتاج الإجمالية أم فقط القسم من البقية الذي أضافه العمل إلى قيمة وسائل الإنتاج المستهلكة ؟

إن "دخل العمل" عبارة عن فكرة غامضة كان لاسال يتخذها بدلا من مفاهيم اقتصادية واضحة.

وما هو "التوزيع العادل" ؟

ألا يدّعي البرجوازيون أن التوزيع الحالي "عادل" ؟ وبالفعل، أليس التوزيع الحالي التوزيع "العادل" الوحيد على أساس أسلوب الإنتاج الحالي ؟ وهل العلاقات الاقتصادية تنظمها المفاهيم الحقوقية أم الأمر على العكس، أي إن العلاقات الحقوقية هي التي تنبثق من العلاقات الاقتصادية ؟ ثم، ألا يتبنى أصحاب الشيع الاشتراكية المختلفة، أكثر الآراء تبايناً حول هذا التوزيع "العادل" ؟

فلكي ندرك ما هو المقصود هنا بهاتين الكلمتين: التوزيع "العادل"، ينبغي لنا إن نقارن الفقرة الأولى بالفقرة الثالثة. فالفقرة الثالثة تفترض مجتمعاً "تكون قيه وساءل العمل ملكية المجتمع بأسره، ويضبط فيه العمل الإجمالي بصورة جماعية"، بينما تقول لنا الفقرة الأولى "إن دخل العمل بخص بكليته وبالحق المتساوي، جميع أعضاء المجتمع".

"جميع أعضاء المجتمع" ؟ حتى أولئك الذين لا يشتغلون ؟ وإذ ذاك، أين هو "دخل العمل غير المنقوص" ؟ مجرد أعضاء المجتمع الذين يشتغلون ؟ فأين هو إذن "الحق المتساوي" بين جميع أعضاء المجتمع ؟

ولكن "جميع أعضاء المجتمع" و"الحق المتساوي" ليسا سوى مجرد جملتين. أما الجوهر، فقوامه إنه ينبغي في هذا المجتمع الشيوعي إن ينال كل شغيل، كما يقول لاسال، "دخل العمل غير المنقوص".

فإذا أخذنا أولا كلمتي "دخل العمل" بمعنى نتاج العمل، فإن دخل العمل الجماعي يعني حينذاك النتاج الاجتماعي الإجمالي.

والآن، ينبغي إن نقتطع منه:

أولا، ما نستعيض به عن وسائل الإنتاج المستهلكة؛

ثانيا، قسماً إضافيا لتوسيع الإنتاج؛

ثالثا، أموالا للاحتياط أو للتأمين ضد الطوارئ، والكوارث الطبيعية، الخ..

إن هذه الاقتطاعات من "دخل العمل غير المنقوص" تحتمها الضرورة الاقتصادية، وتتحدد مقاديرها وفقاً للوسائل والقوى المتوافرة، وجزئياً بموجب حساب الاتفاق؛ ولكنها في مطلق الأحوال لا يمكن تحديدها على أساس العدالة.

يبقى القسم الآخر من النتاج الإجمالي، وهو القسم المعد للاستهلاك.

ولكن قبل الشروع بتوزيعه على الأفراد منه أيضاً:

أولا، النفقات الادراية العامة، التي لا علاقة مباشرة لها بالإنتاج.

إن هذا الجزء سيهبط فوراً هبوطاً ملحوظاً بالقياس إلى قدره في المجتمع الحالي، وسيقل بقدر ما يتطور المجتمع الجديد.

ثانيا، ما هو معذّ لتلبية حاجيات المجتمع المشتركة، من مدارس، ومؤسسات صحية، الخ..

إن هذا الجزء سيزداد فوراً زيادة كبيرة بالقياس إلى قدره في المجتمع الحالي، وسينمو بقدر ما يتطور المجتمع الجديد.

ثالثاً، الأموال الضرورية لإغاثة العاجزين عن العمل، الخ.، أي، بكلمة موجزة، ما يعود إلى ما يسمى اليوم بإغاثة الفقراء الرسمية.

وبعد ذلك فقط، نصل إلى ذلك "التوزيع" الذي لا يعني البرنامج إلا إياه، تحت تأثير لاسال، وبصورة ضيقة، محدودة، أي إلى هذا القسم من أشياء الاستهلاك الذي يوزع بصورة افرادية بين منتجي المجتمع.

وهكذا تحوّل "دخل العمل غير المنقوص" بصورة غير محسوسة إلى "دخل منقوص"، رغم إن ما يؤخذ من المنتج، بوصفه فرداً، إنما يعود عليه بالنفع من جديد، مباشرة ام بصورة غير مباشرة، بوصفه عضواً في المجتمع.

وكما إن تعبير "دخل العمل المنقوص" قد ذاب واختفى، كذلك يذوب ويختفي تعبير "دخل العمل" بوجه عام.

في مجتمع قائم على المبادئ الجماعية، قائم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج، لا يتبادل المنتجون منتجاتهم؛ إن العمل المبذول على المنتجات لا يظهر في هذا النظام الاجتماعي على إنه قيمة هذه المنتجات، على إنه صفة مادية تنطوي عليها المنتجات، إذ أنه خلافاً لما يجري في المجتمع الرأسمالي، يغدو عمل الفرد بصورة مباشرة، لا بصورة غير مباشرة، جزءاً لا يتجزأ من عمل المجتمع. وهكذا، إن تعبير "دخل العمل"، الذي لا يصمد للنقد حتى في أيامنا هذه بسبب إبهامه، يفقد كل معنى.

إن ما نواجهه هنا، إنما هو مجتمع شيوعي لا كما تطور على أسسه الخاصة بل بالعكس، كما يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي، أي مجتمع لا يزال، من جميع النواحي، الاقتصادية والأخلاقية والفكرية، يحمل سمات المجتمع القديم الذي خرج من أحشائه. فالمنتج يتلقى إذن بصورة فردية –بعد جميع الاقتطاعات– ما يوازي تماماً ما قدمه للمجتمع. وما قدمه للمجتمع، إنما هو نصيبه الفردي من العمل. مثلا، إن يوم العمل الاجتماعي يمثل مجمل ساعات العمل الفردية؛ ووقت العمل الفردي الذي بذله كل منتج هو النصيب الذي قدمه من يوم العمل الاجتماعي، هو القسط الذي أسهم به في هذا العمل. وهو يتلقى من المجتمع سنداً يثبت إنه قدّم قدراً معيناً من العمل (بعد اقتطاعات العمل المبذول من اجل الصناديق الاجتماعية) وبهذا السند، يأخذ من المخزون الاجتماعي كمية من أشياء الاستهلاك تناسب قدر عمله. وهكذا فإن نفس النصيب من العمل الذي قدمه للمجتمع بشكل معين، إنما يتلقاه من المجتمع بشكل آخر.

ومن الواضح إننا نواجه هنا نفس المبدأ الذي ينظم تبادل البضائع طالما إنه تبادل قيم متساوية. إن المحتوى والشكل يتغيران لأنه، نظراً لتغير الأحوال، لا يستطيع احد إن يقدّم شيئاً غير عمله، هذا من جهة، ولأنه، من جهة أخرى، لا يمكن لغير أشياء الاستهلاك الفردي إن يدخل في ملكية الفرد. أما فيما يتعلق بتوزيع هذه الأشياء بين المنتجين بصورة فردية، فإن المبدأ الموجه هو نفس المبدأ الذي يسود فيما يتعلق بتبادل البضائع المتعادلة: فإن قدراً معيناً من العمل بشكل ما يبادل لقاء نفس القدر من العمل بشكل آخر.

وهكذا فإن الحق المتساوي يظل هنا، من حيث المبدأ، الحق البرجوازي، رغم إن المبدأ والتطبيق العملي يكفان عن التناقض هنا، في حين إن تبادل القيم المتعادلة لا يبقى في ظل تبادل البضائع إلا بصورة وسطية، لا في كل من الحالات.

ورغم هذا التقدم، يظل هذا الحق المتساوي محصوراً من ناحية واحدة ضمن حدود برجوازية. فإن حق المنتج يتناسب مع العمل الذي بذله؛ والمساواة تتجلى هنا في اتخاذ العمل وحدة مشتركة للقياس.

ولكن، رب فرد يتفوّق جسدياً أو فكرياً على فرد آخر، فهو إذن يقدّم، خلال الوقت نفسه، قدراً اكبر من العمل أو إنه يستطيع إن يعمل وقتاً أطول؛ ولكن يكون العمل مقياساً، ينبغي إن يتحدد بمدته أو شدّته، وإلا كفّ عن إن يكون وحدة للقياس. إن هذا الحق المتساوي هو حق غير متساو لقاء عمل غير متساو؛ فهو لا يقر بأي امتياز طبقيان كل إنسان ليس سوى شغيل كغيره؛ ولكنه يقرّ ضمناً بعدم المساواة في الملكات الفردية، وبالتالي في الكفاءات الإنتاجية بوصفها امتيازات طبيعية. فهو إذن، من حيث المحتوى، حق قائم على عدم المساواة، ككل حق. فالحق، بحكم طبيعته، لا يمكن إن يتجلى إلا في استعمال نفس الوحدة القياسية؛ ولكن الأفراد غير المتساوين (ولن يكونوا أفرادا متمايزين إذا لم يكونوا غير متساوين) لا يمكن قياسهم وفقاً لوحدة مشتركة إلا بقدر ما يرى إليهم من وجهة النظر نفسها، إلا بقدر ما يرى إليهم من زاوية معينة، واحدة، مثلا، في الحالة المعينة، حيث لا يرى إليهم إلا بوصفهم عمالا، لا أكثر، وبصورة مستقلة عن كل الباقي. وبعد: رب عامل متزوج، والآخر عازب؛ ورب رجل عنده من الأولاد أكثر من رجل آخر؛ الخ.. وهكذا، لقاء العمل المتساوي، وبالتالي مع الاستفادة المتساوية من الصندوق الاجتماعي للاستهلاك، يتلقى احدهم بالفعل أكثر من الآخر، ويظهر أغنى منه، الخ.. ولاجتناب كل هذا، لا ينبغي إن يكون الحق متساوياً، بل ينبغي إن يكون غير متساو.

ولكنها تلك عيوب محتومة لا مناص منها في الطور الأول من المجتمع الشيوعي كما يخرج من المجتمع الرأسمالي بعد مخاض طويل وعسير.فالحق لا يمكن أبدا إن يكون في مستوى أعلى من النظام الاقتصادي ومن درجة التمدن الثقافي التي تناسب هذا النظام.

وفي الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي، بعد إن يزول خضوع الأفراد المذل لتقسيم العمل ويزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي؛ وحين يصبح العمل، لا وسيلة للعيش وحسب، بل الحاجة الأولى للحياة أيضاً؛ وحين تتنامى القوى المنتجة مع تطور الأفراد في جميع النواحي، وحين تتدفق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض وغزارة، –حينذاك فقط، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيق للحق البرجوازي تجاوزاً تاماً، ويصبح بإمكان المجتمع إن يسجل على رايته: من كل حسب كفاءاته، ولكل حسب حاجاته!

لقد توسعت بخاصة حول "دخل العمل غير المنقوص" من جهة، وكذلك حول "الحق المتساوي" و"التوزيع العادل"، من جهة أخرى، لكي أبين أية جريمة كبيرة ترتكب، من جهة، حين يراد من جديد أن تفرض على حزبنا، كعقائد جامدة، مفاهيم كان لها بعض المعنى في مرحلة معينة، ولكنها لم تبق اليوم سوى عبارات مطروقة باطلة، ومن جهة أخرى، حين يراد تشويه النظرة الواقعية التي كلفت جهوداً طائلة لبثها في صفوف الحزب، ولكنها التي رسخت فيه عميقا اليوم، وذلك بواسطة مفاهيم حقوقية خرقاء وغير ذلك من الأضاليل الشائعة بين الديمقراطيين وبين الاشتراكيين الفرنسيين.

وبصرف النظر عما قيل آنفاً، كان من الخطأ على وجه العموم أن يجعل مما يسمى التوزيع الأمر الأساسي وإن يصار إلى إبرازه.

فإن توزيع أشياء الاستهلاك، في كل عصر وطور، ليس سوى نتيجة لتوزيع شروط الإنتاج نفسها. ولكن توزيع هذه الأخيرة يعبر عن طابع أسلوب الإنتاج بالذات.

فإن أسلوب الإنتاج الرأسمالي، مثلاً، يرتكز على كون شروط الإنتاج المادية بشكل ملكية الرأسمال وملكية الأرض، تقع في أيدي غير الشغيلة بينما سواد الناس لا يملكون سوى الشرط الشخصي للإنتاج – قوة العمل. وإذا كانت عناصر الإنتاج موزعة على هذا النحو، فإن التوزيع الحالي لأشياء الاستهلاك ينبع منه تلقائيا. فإذا غدت شروط الإنتاج المادية ملكية عامة للعمال أنفسهم، تغير توزيع أشياء الاستهلاك عما هو عليه الآن. إن الاشتراكية المبتذلة (ومن خلالها أيضاً قسماً من الديمقراطية) قد اقتبست من الاقتصاديين البرجوازيين عادة اعتبار التوزيع وبحثه بوصفه أمرا مستقلاً عن أسلوب الإنتاج، وعادة تصوير الاشتراكية بالتالي كأنها تدور في الأساس حول قضايا التوزيع. ولكن حين تكون العلاقات الفعلية قد اتضحت منذ زمن بعيد. فما الفائدة من العودة إلى الوراء ؟

٤– "إن تحرير العمل ينبغي أن يكون من صنع الطبقة العاملة التي لا تشكل جميع الطبقات الأخرى إزاءها سوى كتلة رجعية واحدة".

إن الجملة الأولى مستقاة من مقدمة نظام الأممية الداخلي، ولكنها واردة بصيغة "محسنة". فإن هذه المقدمة تقول: "إن تحرير الطبقة العاملة ينبغي إن يكون من صنع العمال أنفسهم"، ولكن "الطبقة العاملة"، هنا، ترى، ماذا عليها إن تحرر ؟ – "العمل". فافهم إذا كنت قادراً على الفهم.

وبالمقابل، يتحفوننا بجملة إضافية موصولة، مستقاة من أعمق ينابيع لاسال: "(الطبقة العاملة) التي لا تشكل جميع الطبقات الأخرى إزاءها سوى كتلة رجعية واحدة".

لقد جاء في "البيان الشيوعي" قوله: "ليس بين جميع الطبقات التي تقف الآن أمام البرجوازية وجهاً لوجه إلا طبقة واحدة ثورية حقاً، هي البروليتاريا. فإن جميع الطبقات الأخرى تنحط وتهلك مع نمو الصناعة الكبرى، أما البروليتاريا فهي، على العكس من ذلك، اخص منتجات هذه الصناعة".

وهكذا يرى في هذا المقطع إلى البرجوازية – بوصفها عامل الصناعة الكبيرة – على إنها طبقة ثورية بالنسبة للإقطاعيين والفئات المتوسطة، الذين يرغبون في الحفاظ لأنفسهم على جميع المراكز الاجتماعية الباقية عن أساليب الإنتاج البالية. فالإقطاعيون والفئات المتوسطة لا يشكلون إذن مع البرجوازية كتلة رجعية واحدة.

ومن جهة أخرى، نرى أن البروليتاريا ثورية بالنسبة للبرجوازية لأنها، وهي التي نشأت ونمت وترعرعت على أساس الصناعة الكبيرة، تقصد أن تنزع عن الإنتاج هذا الطابع الرأسمالي الذي تحاول البرجوازية تخليده. ولكن "البيان الشيوعي" يضيف قائلاً: إن "الفئات المتوسطة" تغدو ثورية "إذ ينتظرها السقوط إلى صفوف البروليتاريا".

ومن وجهة النظر هذه، كان خطأ الرأي أن يقال عن الفئات المتوسطة إنها "تشكل مع البرجوازية"، ومع الإقطاعيين أيضاً، "كتلة رجعية واحدة" بالنسبة للطبقة العاملة.

فإبان الانتخابات الأخيرة، ترى، هل قيل للحرفيين وصغار الصناعيين، الخ..، والفلاحين: "إنكم لا تشكلون مع البرجوازيين والإقطاعيين سوى كتلة رجعية واحدة بالنسبة إلينا" ؟

لقد كان لاسال يعرف "البيان الشيوعي" عن ظهر قلب، كما أن أتباعه الأمناء يعرفون الكتابات المقدسة التي دبجها هو بنفسه. فإذا كان قد زوّر "البيان الشيوعي" بمثل هذه الفظاظة، فإنه شاء فقط إن يبرر تحالفه مع الاخصام الإقطاعيين والمستبدين ضد البرجوازية.

وفضلا عن ذلك، تبدو الحكمة اللاسالية الواردة في الفقرة المذكورة آنفاً، كأنها ملصوقة لصقا، ولا تمت بأية صلة إلى الاستشهاد "المحسن" بشكل اخرق من نظام الأممية الداخلي. وهكذا نجد أنفسنا هنا أمام وقاحة، ووقاحة، في الحقيقة، لا تزعج السيد بيسمارك أبدا، أمام فظاظة من هذه الفظاظات الرخيصة التي اشتهر بها مارا برلين[١].

٥– "إن الطبقة العاملة تعمل على تحرير نفسها أولا في نطاق الدولة القومية الحالية، وهي على علم تام بإن النتيجة الضرورية لجهودها التي يشاركها بها عمال جميع البلدان المتمدنة، ستكون تآخي الشعوب العالمي".

خلافا لـ"البيان الشيوعي" ولكل الاشتراكية السابقة، كان لاسال قد نظر إلى الحركة العمالية من أضيق وجهات النظر القومية. وها هم يقتفون خطواته في هذا الميدان، وذلك بعد ما قامت به الأممية من أعمال!

وغنيّ عن البيان تماماً أنه ينبغي للطبقة العاملة، لكي تستطيع النضال على وجه العموم، أن تنتظم حيثما هي بوصفها طبقة، وأن بلادها بالذات هي الميدان المباشر لنضالها. ولهذا كان نضالها الطبقي قومياً، لا من حيث المحتوى، بل، كما يقول "البيان الشيوعي"، "من حيث الشكل". ولكن "نطاق الدولة القومية الحالية"، مثلا، نطاق الامبراطورية الألمانية، يدخل أيضاً بدوره، اقتصادياً "في نطاق السوق العالمية"، وسياسياً "في نطاق نظام الدول". فإن أول تاجر تصادفه يعرف أن التجارة الألمانية هي في الوقت نفسه تجارة خارجية، وأن عظمة السيد بيسمارك تكمن على وجه الدقة في انتهاجه نوعاً معيناً من السياسة الدولية.

وعلام يقصر حزب العمال الألماني أمميته ؟ على إدراك أن نتيجة جهوده ستكون "تآخي الشعوب العالمي". وتلك جملة مقتبسة عن عصبة السلام والحــرية[٢] البرجوازية، ويقصد منها أن تعني شيئاً يساوي التآخي العالمي بين الطبقات العاملة في البلدان المختلفة في نضالها المشترك ضد الطبقات السائدة وحكوماتها. ولكننا لا نجد كلمة واحدة عن المهمات الأممية للطبقة العاملة الألمانية! وهذا كل ما يقترحونه على الطبقة العاملة الألمانية لمعارضة برجوازيتها الخاصة التي تآخت ضدها مع برجوازية جميع البلدان الأخرى ولمعارضة سياسة السيد بيسمارك القائمة على التآمر الدولي!

وبالفعل، إن نزعة البرنامج الأممية أدنى إلى ما لا حد له، من النزعة الأممية التي يتصف بها حزب التجارة الحرة. فإن هذا الحزب أيضا يزعم أن نتيجة عمله ستكون "تآخي الشعوب العالمي". ولكنه على الأقل يعمل شيئاً ما لجعل التجارة عالمية، ولا يكتفي أبدا بأن يعرف أن كل شعب يتعاطى التجارة في بلاده.

إن نشاط الطبقة العاملة في مختلف البلدان لا يتوقف، في حال من الأحوال، على وجود "جمعية الشغيلة العالمية"[٣]. فإن هذه المنظمة كانت فقط أول محاولة لتزويد هذا العمل بجهاز مركزي، محاولة كانت لها نتائج لا تمحى بسبب من الإندفاع الذي بثـته، ولكنه لم يبق من الممكن القيام بها، بشكلها التاريخي الأول، بعد سقوط كمونة باريس[٤].

لقد كانت صحيفة بيسمارك، "Norddeutsche"[٥]، على تمام الحق حين أعلنت، لما فيه رضى صاحبها، إن حزب العمال الألماني قد جحد النزعة الأممية في برنامجه الجديد.


II



"وانطلاقا من هذه المبادئ، يسعى حزب العمال الألماني جهده، بجميع الوسائل المشروعة، إلى تأسيس الدولة الحرة – و– المجتمع الإشتراكي؛ إلى إلغاء نظام الأجرة مع قانون الأجور الحديدي – و – إلى محو الإستثمار بجميع أشكاله؛ إلى القضاء على كل تفاوت اجتماعي وسياسي".

سأعود فيما بعد إلى لحديث عن الدولة "الحرة".

وهكذا إذن، ينبغي على حزب العمال الألماني أن يؤمن، من الآن فصاعدا، "بقانون" لاسال "الحديدي"! ولأجل إيجاد مكان له في البرنامج، يتحدثون بسخافة عن "إلغاء نظام الأجرة" (وكان ينبغي القول: نظام العمل المأجور) مع "قانون الأجور الحديدي. فإذا ألغيتَ العمل المأجور ألغيتَ بالطبع قوانينه أيضاً، سواء كانت من "الحديد" أو من الإسفنج، ولكن نضال لاسال ضد العمل المأجور يكاد يدور بوجه الحصر حول هذا القانون المزعوم. وعليه، من أجل البرهنة على أن زمرة لاسال هي الظافرة، ينبغي إلغاء "نظام الأجرة" "مع قانون الأجر الحديدي"، لا بدونه.

ومن "قانون الأجور الحديدي" هذا، لا شيء، كما هو معروف، يخص لاسال، إلا كلمة "الحديدي" المقتبسة من "القوانين الخالدة الحديدية الكبرى" التي قال بها غوته. إن كلمة "الحديدي" هي بمثابة لصقة يتعارف بها المؤمنون الحقيقيون. ولكن، إذا قبلتُ القانون وعليه خاتم لاسال، وبالتالي، بالمعنى الذي يقصده لاسال لهذا القانون. فما هو هذا التعليل ؟ إنه، كما أوضح لانغه Lange، بعد وفاة لاسال، النظرية المالتوسية حول نمو السكان (التي يروج بها لانغه بالذات). ولكن، إذا كانت النظرية صحيحة، تعذر علي إطلاقاً إلغاء "القانون الحديدي"، حتى ولو ألغيت العمل المأجور مئة مرة، لأن هذا القانون لا يشمل حينذاك نظام العمل المأجور وحسب، إنما يشمل أيضاً كل نظام اجتماعي. وبالإستناد إلى هذه النظرية على وجه الدقة، يحاول الإقتصاديون منذ خمسين سنة ونيف أن يثبتوا أن الاشتراكية لا يمكنها إلغاء الفقر الموجود بحكم الطبيعة، إنما تستطيع فقط أن تعممه، وتنشره على كل سطح المجتمع!

ولكن كل هذا ليس بالأمر الرئيسي. فبصرف النظر إطلاقاً عن خطأ لاسال في فهم هذا القانون، يتجلى التراجع الذي يثير الإستياء حقاً فيما يلي.

منذ وفاة لاسال، انتشر في حزبــنا هذا المفهوم العلمي القائل أن أجرة العمل ليست ما تبدو عليه، أي قيمة (أو ثمن) العمل، بل هي فقط شكل مموه لقيمة (أو ثمن) قوة العمل. وهكذا رمي مرة واحدة في سلة المهملات بالمفهوم البرجوازي حول أجرة العمل، كما رمي في الوقت نفسه بكل الإنتـقاد الذي كان موجهاً ضد هذا المفهوم فيما مضى، وكان من الواضح والثابت أنه غير مسموح للعامل الأجير بأن يشتغل لتأمين معيشته بالذات، أي، أن يعيش، إلاّ إذا اشتغل مجانا بعض الوقت للرأسمالي (و أيضا لشركائه في ابتزاز القيمة الزائدة)؛ وإن المحور الذي يدور حوله كل نظام الإنتاج الرأسمالي هو السعي إلى زيادة العمل المجاني بإطالة يوم العمل أو بزيادة إنتاجية العمل، أي بالمزيد من الجهد الذي تبذله قوة العمل، الخ..؛ وأن نظام العمل المأجور هو بالتالي نظام رق واستعباد، وهو في الحقيقة استعباد تشتد وطأته بقدر ما تتطور قوة العمل الاجتماعية المنتجة، مهما كانت عليه الأجرة التي يتقاضاها العامل، سواء كانت أحسن أم أسوأ بعض الشيء. وبعد ما شرع هذا المفهوم العلمي ينتشر اكثر فأكثر في حزبنا، يعودون إلى عقائد لاسال، في حين ينبغي لهم أن يعرفوا أن لاسال كان يجهل ما هي أجرة العمل، وكان، على غرار الإقتصاديين البرجوازيين، يعتبر مظهر الشيء أنه الشيء بالذات.

فكأن يقوم العبيد بثورة بعد أن يدركوا سر عبوديتهم، ويعمد عبد غارق في لجة المفاهيم البالية، ويسجل في برنامج الثورة: ينبغي إلغاء العبودية لأن إعالة العبيد لا يمكن أن تتجاوز في نظام العبودية حداً أعلى معيناً قليل الإرتفاع!

إن مجرد كون ممثـلي حزبنا قد استطاعوا أن يقترفوا مثل هذا العدوان الفظيع على المفهوم الشائع بين جماهير حزبنا، ليثبت بأية خفة إجرامية وأي انعدام في الوجدان عملوا في صياغة برنامج المساومة هذا!

فبدلا من الصيغة الغامضة التي تنتهي بها الفقرة: "القضاء على كل تفاوت اجتماعي وسياسي"، كان ينبغي القول أنه مع إلغاء الفوارق الطبقية، يزول من تلقاء نفسه كل تـفاوت إجتماعي وسياسي ناجم عن هذه الفوارق.


III



"من أجل تمهيد السبيل إلى حلّ المسألة الاجتماعية، يطالب حزب العمال الألماني بإنشاء جمعيات للإنتاج بمساعدة الدولة وتحت رقابة الشعب الشغيل الديموقراطية. وينبغي استثارة نشوء جمعيات الإنتاج في الصناعة والزراعة إلى حدّ أن ينجم عنها التنظيم الإشتراكي للعمل الإجمالي".

بعد "قانون الأجور الحديدي" للاسال، ترياق النبي نفسه. وأنهم "ليمهدون السبيل" لهذا الترياق بطريقة لائقة. فبدلاً من النضال الطبقي القائم، يتحفوننا بجملة جديرة بصحافي مبتذل: "المسألة الاجتماعية" التي "تُـمهِّد السبيل" من أجل "حلها". وبدلا من أن "ينجم" التنظيم الاشتراكي للعمل الإجمالي" عن عملية تحويل المجتمع تحويلا ثورياً، "ينجم" عن "مساعدة الدولة"، عن هذه المساعدة التي تمنحها الدولة لجمعيات الإنتاج التي "تستثير نشوءها" الدولة، لا العمال. إن لاسال وحده، بغروره وخياله، قادر على الإعتقاد أنه من الممكن، بواسطة منح الدولة، بناء مجتمع جديد بنفس السهولة التي يبنى بها خط حديدي جديد!

وبدافع من بقايا حس الحياء يضعون "مساعدة الدولة"... تحت رقابة "الشعب الشغيل" الديموقراطية.

أولا، يتألف "الشعب الشغيل" بأكثريته في ألمانيا من فلاحين لا من بروليتاريين.

ثانيا، تعني كلمة "ديموقراطي" بالألمانية "بواسطة حكم الشعب". وفي هذه الحال، ماذا تعني "رقابة الشعب الشغيل بواسطة حكم الشعب" ؟ وخصوصاً بالنسبة لشعب يتقدم من الدولة بمثل هذه المطالب، ويعترف بالتالي بأنه لا يتسلم زمام الحكم ولم ينضج لتسلم زمام الحكم!

ومن نافل الكلام أن نتطرق هنا إلى انتقاد الوصفة التي وصفها بوشه في عهد لويس فيليب على النقيض من الاشتـراكيين الفرنسيين والتــي تبناها عمــال "Atelier"[٦] الرجعيون. ولا تنحصر المصيبة الكبرى في وردود هذا العلاج العجائبي الخاص في البرنامج، بل في التراجع على العموم من مفهوم الحركة الطبقية إلى مفهوم الحركة الانعزالية.

وعندما يسعى العمال إلى توفير شروط الإنتاج الجماعي على نطاق المجتمع بأسره، في بادئ الأمر، على النطاق الوطني في بلادهم، فإن هذا يعني فقط أنهم يناضلون في سبيل إجراء انقلاب في شروط الإنتاج الحالية؛ فيما يتعلق بالجمعيات التعاونية الحالية، فإنها لا تتسم بأية قيمة إلا بقدر ما تكون مؤسسات مستـقلة، من صنع العمال أنفسهم، ولا تتمتع لا بحماية الحكومات ولا بحماية البرجوازية.


IV



وأنتـقل الآن إلى القسم الديموقراطي:

أ – "أساس حر للدولة".

أولا: وفقاً لما جاء في الفصل الثاني، يسعى الحزب الألماني إلى تحقيق "الدولة الحرة".

الدولة الحرة – ولكن ما هي ؟

إن جعل الدولة حرة ليس مطلقاً هدف العمال الذين تحرروا من عقلية الخضوع والذل الضيقة المحدودة. فإن "الدولة" في الإمبراطورية الألمانية تكاد تكون "حرة" كما هي عليه في روسيا. إن الحرية هي في تحويل الدولة من جهاز فوق المجتمع إلى جهاز خاضع بكليته لهذا المجتمع؛ وحتى في أيامنا، تتفاوت أشكال الدولة حرية بقدر ما تحد من "حرية الدولة".

إن حزب العمال الألماني، – إذا تبنى هذا البرنامج على الأقل، – يكشف مدى النقص في استيعابه الأفكار الاشتراكية؛ وهو، بدلا من أن يعتبر المجتمع الحالي (وهذا القول يصح بالنسبة لكل مجتمع مقبل أيضا) "أساس" الدولة الحالية (أو المجتمع المقبل أساساً للدولة المقبلة)، يعتبر الدولة، على العكس، واقعاً مستقلاً له "أسسه الفكرية والأخلاقية والليبيراليتية" الخاصة.

ثم أي سوء استعمال فظ في البرنامج لكلمات "الدولة الحالية"، "المجتمع الحالي"، وكذلك أي سوء فهم، اخشن أيضاً، لتلك الدولة التي يتقدم منها بمطالبه!

إن "المجتمع الحالي"، إنما هو المجتمع الرأسمالي القائم في جميع البلدان المتمدنة وقد تطهّر إلى هذا الحد أو ذاك من عناصر القرون الوسطى وعدلته إلى هذا الحد أو ذاك خصائص التطور التاريخي في كل بلد من البلدان، وتطور إلى هذا الحد أو ذاك. أما "الدولة الحالية"، فأنها، على العكس، تتغير مع الحدود. فهي في الامبراطورية البروسية الألمانية غيرها في سويسرا، وهي في انجلترا غيرها في الولايات المتحدة. "فالدولة الحالية" اذن مجرد وهم من الأوهام.

ومع ذلك فإن مختلف الدول في مختلف البلدان المتمدنة تتصف جميعها بطابع مشترك، رغم تنوع أشكالها، هو أنها تقوم في أرض المجتمع البرجوازي الحديث، المتطور رأسمالياً إلى هذا الحد أو ذاك. ولذا فإنها تشترك ببعض الصفات الجوهرية. وبهذا المعنى يمكن الحديث عن "الدولة الحالية" خلافا لدولة المستقبل حيث يزول المجتمع البرجوازي الذي تنبثق منه الآن.

ثم يوضع السؤال التالي: أي تحول يطرأ على الدولة في المجتمع الشيوعي وبتعبير آخر: أية وظائف اجتماعية مماثلة للوظائف الحالية للدولة تظل قائمة في المجتمع الشيوعي ؟ العلم وحده يستطيع الجواب عن هذا السؤال؛ ولن ندفع القضية إلى أمام قيد شعرة ولو قرنـّا بألف طريقة كلمة "الشعب" بكلمة "الدولة".

بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي، تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولا ثورياً إلى المجتمع الشيوعي. وتناسبها مرحلة انتقال سياسي لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا.

ولكن البرنامج لا يعالج قضية هذه الديكتاتورية ولا طبيعة الدولة المقبلة في المجتمع الشيوعي.

إن مطالب البرنامج السياسية لا تنطوي على غير الترداد الديموقراطي الذي يعرفه الجميع: الحق الانتخابي العام، التشريع المباشر، حقوق الشعب، تسليح الشعب، الخ.. وهي مجرد صدى لحزب الشعب البرجوازي، لعصبة السلام والحرية. وهذه كلها مطالب قد تحققت، بقدر ما لم يبالغ بها لحد الغرابة. إلا أن الدولة التي حققتها لا تقوم في داخل حدود الامبراطورية الألمانية، بل في سويسرا، والولايات المتحدة، الخ.. إن هذا النوع من "دولة المستقبل"، إنما هو دولة حالية، رغم أنها تقوم خارج "نطاق" الامبراطورية الألمانية.

ولكنهم نسوا أمراً واحداً. فيما أن حزب العمال الألماني يعلن بصراحة ووضوح أنه يعمل في داخل "الدولة القومية الحالية" وبالتالي في داخل دولته الخاصة، الامبراطورية البروسية–الألمانية – وإلا كانت مطالبه، بمعظمها، خرقاء، إذ لا يطالب المرء إلا بما هو ليس بحاصل عليه – اذن، كان عليه ألا ينسى النقطة الرئيسية التالية، وهي أن جميع هذه الأشياء الجميلة تفترض الاعتراف بما يسمى سيادة الشعب، وأنها لا تجد مكانها بالتالي إلا في جمهورية ديموقراطية.

وبما أنه لم يكن ليديهم الشجاعة الكافية – وحسنا فعلوا، لأن الوضع يتطلب الحذر – للمطالبة بالجمهورية الديموقراطية كما فعل العمال الفرنسيون في برامجهم في عهد لويس فيليب ولويس نابوليون، فقد كان عليهم إذ ذاك أيضاً ألا يلجؤوا إلى هذه الحيلة، التي ليست "شريفة" ولا لائقة، أي إلى المطالبة بأشياء لا معنى لها إلا في جمهورية ديموقراطية، وذلك من دولة ليست سوى استبداد عسكري، مصنوع بطريقة بيروقراطية ومحافظ عليه بطريقة بوليسية، مزين بأشكال برلمانية، متسم بمجيز من العناصر الإقطاعية، وخاضع في الوقت نفسه للتأثيرات البرجوازية. وكان عليهم علاوة على ذلك ألاّ يُقنعوا مثل هذه الدولة، بكل مهابة ورصانة، بأنهم يأملون الحصول منها على شيء مماثل "بوسائل شرعية"!

بل إن الديموقراطية المبتذلة، التي ترى فردوسها الأرضي في الجمهورية الديموقراطية والتي لا تظن أن النضال الطبقي يجب أن يجد حلا له بقوة السلاح في ظل هذا الشكل الأخير للدولة في المجتمع البرجوازي، حتى هذه الديموقراطية بالذات أعلى بكثير من هذا الضرب من الديموقراطية المحصورة في نطاق ما يسمح به البوليس وما يحرمه المنطق.

وبالفعل، سواء كان القصد من كلمة "الدولة" الآلة الحكومية أم الدولة بوصفها تشكل، بسبب تقسيم العمل، جهازاً خاصاً، منفصلاً عن المجتمع، فإن ذلك واضح من الكلمات التالية: "إن حزب العمال الألماني يطالب بأن يكون أساس الدولة الإقتصادي ضريبة موحدة تصاعدية على الدخل"، الخ.. فالضرائب هي الأساس الإقتصادي للآلة الحكومية، ولا أي شيء آخر. وهذا المطلب يكاد يكون محققاً في "دولة المستقبل" القائمة في سويسرا. فإن ضريبة الدخل تفترض موارد للدخل تختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية، أي أنها تفترض بالتالي المجتمع الرأسمالي. فلا عجب اذن إذا كان دعاة الإصلاح المالي في ليفربول Financial Reformer de Liverpool – وهم جماعة من البرجوازيين على رأسهم اخو غلادستون – قد صارعوا نفس المطالب التي وردت في البرنامج.

ب– "إن حزب العمال الألماني يطالب بأن يكون أساس الدولة الروحي والأخلاقي:

١– التربية الشعبية العامة والمتساوية للجميع بواسطة الدولة. إلزامية التمدرس، مجانية التعليم".

التربية الشعبية المتساوية للجميع؟ ماذا يقصدون بهذه الكلمات؟ أيضنون أن التربية في المجتمع الحالي (ولا يقصد هنا إلا هذا المجتمع) يمكن أن تكون متساوية بالنسبة لجميع الطبقات؟ أم أنهم يريدون إكراه الطبقات العليا بالقوة على أن تتلقى أيضاً هذه التربية المتواضعة، أي المدرسة الابتدائية، التي تتلاءم وحدها، لا مع أوضاع العمال الأجراء الاقتصادية وحسب، بل أيضاً مع أوضاع الفلاحين الاقتصادية؟

"إلزامية التمدرس، مجانية التعليم". إن الأول موجود حتى في ألمانيا، والثاني في سويسرا والولايات المتحدة فيما يتعلق بالمدارس الابتدائية. وإذا كان التعليم في مؤسسات التعليم الثانوي في بعض الولايات من أمريكا الشمالية "مجانا" أيضاً، فهذا يعني فعلا فقط أن الطبقات العليا تسدد نفقات تربيتها من الضرائب المترتبة على الجميع. وعرضاً نقول أن الحال هي نفسها فيما يتعلق "بمجانية القضاء"، التي يطالب بها البند الخامس من الفصل أ. فالقضاء الجزائي في كل مكان؛ أما القضاء المدني فإن صلاحيته تشمل كلياً تقريباً النزاعات حول الملكية، وهو بالتالي يتعلق تماماً تقريبا بالطبقات المالكة. فهل نقترح عليها أن تلاحق قضاياها على حساب أموال الشعب ؟

ولقد كان يترتب على الفقرة المتعلقة بالمدارس أن تطالب على الأقل بإنشاء المدارس التقنية (النظرية والتطبيقية) إلى جانب المدارس الابتدائية.

إن"التربية الشعبية بواسطة الدولة" لأمر غير مقبول إطلاقاً. فان سن قانون عام يحدد نفقات المدارس الابتدائية، والكفاءات المطلوبة من رجال التعليم، والمواد المدرسّة، الخ.. ومراقبة تنفيذ هذه الإجراءات القانونية بواسطة مفتشي الدولة كما هو الحال عليه في الولايات المتحدة، إنما هو أمر يختلف تماماً عن جعل الدولة مربية الشعب! بل إنه ينبغي، بالعكس، استبعاد المدرسة عن أي تأثير حكومي وديني. ويقيناً أن الدولة في الإمبراطورية الألمانية–البروسية (ولا يلجأ أحد إلى هذا المهرب التافه بأن الحديث يدور حول "دولة المستـقبل": فلقد رأينا ما يعني ذلك) هي التي تحتاج إلى تربية قاسية جداً من قبل الشعب.

وفضلا عن ذلك، فإن البرنامج كله، رغم كل قرقعته الديموقراطية، مشبع برمته بالإيمان الذليل الذي تكنه الزمرة اللاسالية للدولة، أو بالإيمان بالعجائب الديموقراطية – وهذا الإيمان الأخير ليس خيرا من الأول – أو أنه بالأحرى عبارة عن شيء وسط بين هذين النوعين من الإيمان بالعجائب، وكل منهما غريب عن الاشتراكية نفس الغرابة.

"حرية العلم" – هكذا جاء في إحدى فقرات الدستور البروسي. فلماذا اذن نراها هنا ؟

"حرية الاعتقاد"! إذا كان يُراد بهذا أيام Kulturkamph ("النضال من اجل الثـقافة")[٧] هذه، تذكير الليبيراليين بشعاراتهم القديمة، فلم يكن بالإمكان تحقيق هذه الرغبة إلا على النحو التالي: " ينبغي أن يكون في وسع كل امرئ أن يلبي حاجاته الدينية والجسدية على السواء دون أن يحشر البوليس أنفه في الموضوع." ولكنه كان على الحزب أن ينتهز هذه الفرصة ويعرب عن اقتناعه بأن "حرية الاعتـقاد" البرجوازية لا تعني بالفعل سوى التساهل بجميع الأنواع الممكنة من "حرية المعتـقد الديني" وأن يعلن أنه بالعكس يسعى جاهدا إلى تحرير الضمائر من الأوهام والخرافات الدينية. ولكن بعضهم عندنا يمتنع عن تجاوز المستوى "البرجوازي".

ها أنا على وشك أن أبلغ النهاية، لأن الملحق المرفق بالبرنامج لا يشكل جزءاً جوهرياً منه. ولذا أكتفي هنا بملاحظات وجيزة.


ملحق



٢– "يوم العمل الطبيعي".

إن حزب العمال، في بلد من البلدان، لم يقتصر على طلب غامض كهذا الطلب، إنما عيّن دائماً بدقة ليوم العمل مدة يعتبرها طبيعية، بالنظر إلى الأحوال المعينة.

٣– "الحد [limitation] من عمل النساء ومنع عمل الأطفال".

إن تحديد يوم العمل يفترض سلفاً الحد [limitation] من عمل النساء، باعتبار انه يتناول مدة يوم العمل، وفترات الراحة، الخ.. وإلا، فإن هذا التحديد لن يلغي إلا منع عمل النساء في الفروع الصناعية التي تضر خاصة بصحتهن أو التي تفسد أخلاقهن من حيث أنهن نساء. فإذا كان ذلك هو المقصود، فقد كان ينبغي قوله.

"منع عمل الأطفال". كان من الضروري إطلاقاً تحديد العمر.

فان منع عمل الأطفال منعا تاماً لا يتفق مع وجود الصناعة الكبيرة، وهو بالتالي مجرد رغبة ساذجة لا شأن لها.

و تحقيق هذا المطلب – إذا كان ممكنا – يكون عملا رجعياً إذ أنه في حال تأمين تحديد لمدة العمل حسب الأعمار وغير ذلك من التدابير لحماية الأطفال، يكون تنسيق العمل المنتج مع التعليم في مرحلة العمر المبكرة وسيلة من أقوى الوسائل لتحويل المجتمع الحالي.

٤– "رقابة الدولة على العمل في المصانع والأوراش والبيوت".

لما كان المطلب يتعلق بالدولة البروسية–الألمانية، فقد كان ينبغي أن يطلب بكل دقة ووضوح أن تكون إقالة المفتشين في المصانع من صلاحية المحاكم وحدها، وأن يستطيع كل عامل مقاضاتهم أمام المحاكم لتخلفهم عن القيام بواجباتهم؛ وأن ينتقوا من الهيئة الطبية.

٥– "تنظيم العمل في السجون".

إنه لمطلب زهيد في برنامج عمالي عام. وفي مطلق الأحوال، كان ينبغي القول بوضوح أن العمال لا يريدون أن يسمح بمعاملة مجرمي الحق العام معاملة المواشي، وخشية من مزاحمتهم، ولاسيما أن يحرموهم من الوسيلة الوحيدة لصلاحهم، أي العمل المنتج. ويقيناً أن هذا أقل ما كان يمكن توقعه من الاشتراكيين.

٦– "قانون فعال حول المسؤولية".

كان ينبغي القول ما هو المقصود بقانون "فعال" حول المسؤولية

ملاحظة عابرة: في الفقرة عن يوم العمل الطبيعي، نسي القسم من تشريع المصانع الذي بتعلق بالأنظمة الصحية، والتدابير الواجب اتخاذها لتجنب الطوارئ، الخ.. فان القانون حول المسؤولية يصبح ساري المفعول ما إن تخالف هذه الأحكام.

و بكلمة، إن هذه الإضافة سيئة الصيغة أيضاً.

Dixi et salvavi animam meam.
(قلت وخلصت ضميري)

كارل ماركس

كتب باللغة الألمانية - في أبريل – مطلع ماي ١٨٧٥ - نشر مع بعض الاقتطاعات في Die Neue Zeit Bd. 1, no. 18, 1890-1891


[١] يبدو أنه هاسلمان، رئيس تحرير جريدة "Neuer Social–Demokrat" ("الاشتراكي–الديموقراطي الجديد").

[٢] عصبة السلام والحرية: منظمة مسالمة برجوازية، أسسها عام ١٨٦٧ في سويسرا الجمهوريون الليبيراليون البرجوازيون الصغار. كانت العصبة، إذ تدلي بالتصريحات القائلة إنه من الممكن إنهاء الحرب عن طريق إنشاء "الولايات المتحدة الأوروبية"، تنشر الأوهام الكاذبة بين الجماهير وتصرف البروليتاريا عن النضال الطبقي.

[٣] إنعقد مؤتمر جمعية الشغيلة العالمية في لاهاي من ٢ إلى ٧ سبتمبر ١٨٧٢. وقد حضره ٦٥ مندوباً عن ١٥ منظمة وطنية. اشرف ماركس وإنجلس على عمل المؤتمر. وفي المؤتمر بلغ النضال الذي خاضه ماركس وإنجلس وأنصارهما طوال سنوات عديدة ضد الإنعزالية البرجوازية الصغيرة بجميع صورها في الحركة العمالية، غايته. فقد شجب المؤتمر نشاط الفوضويين الإنشقاقي وفصل زعماءهم من الأممية. أرست قرارات مؤتمر لاهاي الأساس لإنشاء أحزاب سياسية مستقلة للطبقة العاملة في مختلف البلدان في المستقبل.

[٤] كمونة باريس: أول حكومة في التاريخ لديكتاتورية البروليتاريا، تتويجا لانتفاضة عمال باريس في ١٨ مارس ١٨٧١. دامت حتى إقبارها في أنهار من الدماء في ١٨ ماي ١٨٧١.

[٥] "Norddeutsche Allgemeine Zeitung" ("الجريدة العامة لألمانيا الشمالية"): جريدة رجعية يومية. صدرت في برلين من ١٨٦١ إلى ١٩١٨. في العقد السابع والثامن والتاسع من القرن التاسع عشر، لسان الحال الرسمي لحكومة بيسمارك. يقصد ماركس المقالة المنشورة في الجريدة في ٢٠ مارس ١٨٧٥.

[٦] "L'Atelier" ("المشغل")، مجلة فرنسية شهرية صدرت في باريس من ١٨٤٠ إلى ١٨٥٠. لسان حال الحرفيين والعمال المتأثرين بافكار الاشتراكية المسيحية.

[٧] "النضال من أجل الثقافة" Kulturkamph، اسم اطلقه الليبراليون البرجوازيون على مجموعة الإجراءات التشريعية التي اتخذتها حكومة بيسمارك في السبعينيات من القرن التاسع عشر وتحققت تحت راية النضال من اجل الثقافة العلمانية. في الثمانينيات ألغى بيسمارك قسماً كبيراً من هذه الإجراءات بغية رص صفوف القوى الرجعية.


نقد برنامج غوتا
كتبه: كارل ماركس أواخر شهر أبريل / أوائل شهر ماي من سنة 1875
نشر لأول مرة: مجلة Die Neue Zeit المجلد 1 العدد 18 السنة 1890-1891
مصدر النسخة العربية: www.rezgar.com
Critique of the Gotha Programme


eSource: Marxists Internet Archive
MarxEngels.public-archive.net #ME1658ar.html